رئيس الجمهورية : هل يملك الحديث بالفرنسية ؟!

القاضي أحمد الرحموني
رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
كم مرة طرحت قضية احترام اللغة الوطنية في هذه البلاد؟ وكم مرة نمر عليها مر الكرام دون توقف او تعمق؟!.
هل يمكن أن يوجد من بين المسؤولين السياسيين من هو اكثر ائتمانا على هذه القضية من رئيس الجمهورية ؟
مبدئيا يعتمد النظام الجمهوري الذي نتبناه على تمثيلية رئيس الجمهورية لكيان الدولة وروحها الحقيقية فهو “رمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور” (الفصل 72 من الدستور).
ولذلك فلا شيء يمكن ان يبرر حديث رئيس الجمهورية بصفته هذه -داخل البلاد او خارجها- بغير اللغة الوطنية، ومن المفروض ان لا يحتاج ذلك الى تنبيه لأن مقتضيات مسؤوليته الكبرى تستوجب الاحترام الكامل لمقومات الدولة ورموزها (اللغة – الدين – الشعار – العلم – النشيد الوطني – الدستور…).
وتاكيدا لذلك اقتضى الدستور الجديد -من جملة التزامات الدولة- أنها تعمل “على ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها” (الفصل 39). ولا ادري متى يجد هذا الالتزام الدستوري مجالا لاحترامه ومتى نهتدي إلى أن حديث رئيس الدولة (حين يمثل الدولة) باللغة الوطنية للبلاد ليس اختيارا شخصيا يمكن أن يخضع للمجاملة او الاهواء بل ان الحياد عنه يعتبر اعتداء على أحد المقومات الجوهرية للدولة ؟!
وكذلك متى يقتنع السيد الباجي قائد السبسي -في ارتباط بهذه القضية بالذات- أن معرفته باللغة الفرنسية أو غيرها من اللغات الأجنبية لا تعفيه من الخطاب أو الحديث في المحافل والمناسبات الرسمية باللغة العربية؟! وفوق ذلك فهو ملزم -بمقتضى موقعه ومسؤوليته- بالحض على ترسيخ اللغة العربية وتعميمها وحمايتها !!.
ومع احترامنا لرمزية رئيس الجمهورية وموقعه فلا نرى أي تفسير لحديثه العلني -وعبر المؤسسات الإعلامية- باللغة الفرنسية (او بالفرنكو اراب) حتى وان كان ذلك بمحضر ضيوف أجانب وبالاحرى من الدول العربية كمحادثته الاخيرة (في 3 نوفمبر الفارط) مع عادل امام باللغة الفرنسية.
وفي نفس السياق لا يبدو مناسبا -او مطابقا لما قدمناه- خطاب رئيس الجمهورية الحالي بقصر قرطاج باللغة الفرنسية بتاريخ اليوم -5 ديسمبر- بمحضر رئيس حكومة لكسمبورغ كزافييه بيتل ورئيس حكومة بلجيكا شارل ميشال ورئيس حكومة هولندا مارك روتى.
فهل يمكن أن نعتبر ذلك -فضلا عن المناسبات الكثيرة التي يختار فيها رئيس الجمهورية الحديث بغير اللغة الوطنية- من باب التقاليد الرئاسية التي تمثل امتدادا الإرث البورقيبي الفرنكوفوني ؟!
ومتى يمكن ان يداخلنا الاعتقاد ان احترامنا لانفسنا يبدأ بمقومات وجودنا ؟! وهل آن الآوان أن نتوقف عن التغاضي واللامبالاة حيال قضية مصيرية تتعلق بتأصيل هويتنا وانتمائنا الوطني؟!
Exit mobile version