تراجيديا اغتصاب كلبة في زمن السيسي
وائل قنديل
تقول الأسطورة إنه في اللحظة التي أحكم فيها الجنرال قبضته على الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان في بلاده، قرر أتباعه تصنيع مناحة قومية عريضة، تتأسس على أكذوبة حيوانية، تدعي انتفاض الضمير الانقلابي حزناً على “كلبة” اغتصبتها ذئاب بشرية.
حالة “الاستكلاب” الجماعية التي اجتاحت معسكر إعلام عبد الفتاح السيسي في مصر، تعاطفاً مع الكلبة، التي ألفوا لها قصة حفل اغتصاب جماعي، انتهى باستئصال رحمها، هي الأسوأ في تاريخ ورش سيناريوهات الجهات المعنية بصناعة دراما الإلهاء في مصر؛ إذ غابت عنها الحبكة ولم تتوفر لها عناصر الإبهار، ربما لأن النص جاء شديد الافتعال، بالغ الإسفاف، على نحو جعله أقرب إلى الكوميديا السطحية، أقرب منه إلى الميلودراما.
تقول القصة المبتذلة إن طبيبا أنقذ حياة كلبة، حملها إلى عيادته طيبون أخيار، بعدما وجدوها في حالة إعياء تام، نتيجة التناوب على افتراسها جنسياً، بواسطة ثلاثة شباب..
وعلى الفور اشتعلت الصحافة الإلكترونية والمطبوعة، ومواقع التواصل الاجتماعي بتفاصيل الحكاية..
في الأثناء كانت عملية تمرير قرارات اقتصادية كارثية، تمس معيشة المواطن، تجري على قدم وساق، من رفع الجمارك على أكثر من 346 سلعة، بالتزامن مع إعفاء الدواجن المجمدة المستوردة من الجمارك.
في الأثناء أيضاً، كانت حملات قتل المجتمع المدني تتم بوتيرة متسارعة، من إصدار قانون للجمعيات الأهلية، يجعل الانحياز لحقوق الإنسان جريمة، واستكمال عملية احتجاز العاملين في مجال حقوق الإنسان، رهائن لدى السلطة، مع التحفظ على أموالهم ومصادرة حقهم في السفر والكلام، وليس انتهاء بمداهمة مكتبات عامة تخدم أطفال المناطق الشعبية المهمشة.
هل كان تمرير هذه الكوارث السلطوية يتطلب من مذيع أن يتحول إلى بهلوان يدخل الاستوديو محتضناً كلبة الاغتصاب االمزعومة، مقبلاً وجهها، ورأسها، في وصلة من الدراما الإعلامية الرخيصة؟
هل كان لابد أن “يتكالب” الإعلام السلطوي كله، على ارتداء وجه إنساني رديء الصنع، حتى يغطي على جرائم النظام بحق البشر؟
هل كان لازماً أن ينحطوا إلى الحد الذي يتقولون، ويتقولن، معه برقاعة على الريف المصري وأبنائه، زاعمين أن اغتصاب الحيوانات فيه نشاط إنساني مستقر، يصل لدرجة الظاهرة؟
وقبل أن يخرج الطبيب الذي عالج الكلبة بتصريحاته التي ينفي فيه تخاريف الاغتصاب وينسفها من جذورها، بكلام ينتمي إلى العلم والطب، كانت وسائل إعلام عبد الفتاح السيسي تمني نفسها بأن يطول الموضوع إلى ما لا نهاية، أو على الأقل حتى يتمكنوا من صرف الناس عن فضيحة مشاركة النظام المصري في الجرائم ضد الإنسان السوري في حلب، وهي الفضيحة التي لا تزال معلقة برقبة السيسي ونظامه حتى الآن، من دون أن تسقط.
هؤلاء المتسربلون في ثياب إنسانية مستعارة، من أجل كلبة، لم تهتز ضمائرهم مع قصة حقيقية عن اغتصاب جنود وضباط بشار الأسد امرأة من حلب، أمام ولدها، في مشهد أكثر فظاعة من أكذوبة اغتصاب الكلبة في مصر.
القصة دونتها الكاتبة السورية خديجة المرعي في مقال لها على “هافنغتون بوست” كالتالي:
وصلنا إلى السجن، وأدخلوني إلى ضابطة مخيفة في الشكل، وعلى وجهها قطرات دم، فسألت العناصر عما فعلت؛ ليجيبوها أنني خائنة، قمت بتصوير مظاهرات، فنظرت إليَّ وصعقتني بيدها، حتى أوقعتني أرضاً، ونادت الضابطة على السجانات: “أدخلوها إلى الغرفة المجاورة ريثما أنادي على الضابط أبو حيدر”، فأدخلوني إلى غرفة يوجد فيها سرير، وكان الجو بارداً جداً، فارتجفت من الخوف، ووقعت أرضاً، لم تعد تتحملني قدماي؛ لأنني عرفت مصيري، ثم أتى الضابط ودخل علي وجلس على السرير، وقال لي: كم عمرك؟ فقلت له 33 سنة، ثم قال لي: أين تسكنين؟ فأخبرته، ثم خرج وتركني، وبعد ساعة قدم إليَّ ومعه ابني نور، وقال لي: هذا ولدك نور سينظر إليك الآن وأنت تغتصبين، وهذا جزاء كل خائنة، فصرخت وترجيته، وقمت بتقبيل قدميه ألا يفعلها، فما كان منه إلا أن ضحك بصوت عالٍ جداً، وبعدها قام بضربي بقدميه، ونادى على السجانات بأن يقمن بتقييدي على السرير، بعد أن قمن بنزع ملابسي عني.
وكان ابني يصرخ ويبكي: “كرماً لله يا سيدي موتني ولا تساوي هالشي بأمي”، فضربه الضابط حتى نزف ابني نور من أنفه، وقام باغتصابي وأنا متعرية تماماً أمام ولدي، حتى نزف الدم من جسدي، وبعد أن انتهى من فعلته القذرة، نادى على العناصر أن يضعوني بغرفة مظلمة، يوجد فيها فئران، وعلقوا يدي وأنا متعرية والدم على جسدي يسيل مني، وفي اليوم التالي قدم الضابط، وقاموا برش ماء بارد جداً عليَّ، وصعقوني بالكهرباء على ظهري حتى ازرقَّ جسدي، لم أعد أتحمل العنف ولا حتى الوقوف، وجسدي قد انتهك تماماً حتى أغمي عليَّ فلم أصحُ إلا عندما أيقظتني نساء في السجن.
الإعلام السيسي ذاته الذي اختلق حكاية اغتصاب كلبة وانتفض دفاعاً عنها، هو ذاته الإعلام الذي يرقص طرباً كلما أمعن بشار الأسد وفلاديمير بوتين في ارتكاب الفظائع ضد الإنسان في سورية، ومن ثم لا يمكن تصديق أنهم، فجأة، استعادوا إحساساً إنسانياً لم يعرف أحد أنهم من حائزيه يوماً، وبالتالي تحول سرادق العزاء في الكلبة المغتصبة إلى ملتقى للضحك المجاني، يذكر بقصة مماثلة جرت وقائعها قبل نحو 21 شهراً في القاهرة، كان بطلها كلب أيضاً، عذبه وقتله جزارون في حي شبرا، فاستحقت قصته عشرات الساعات من البث الفضائي المكثف، مقابل قرار بحظر النشر في جريمة قتل محامٍ داخل قسم شرطة المطرية على أيدي ضباط الداخلية، الذي ظهرت صوره، مقطوع اللسان، مشوه الجسد.
وإذا كان مدير مدينة الملاهي المنصوبة في مصر، قد نجح منذ عامين، في أن يجعل القضية الأولى على مائدة الجدل، هي مع الكلب، أم ضد الكلب، فإنه خانه ذكاؤه هذه المرة، ولم يحقق نجاحاً يذكر، يستطيع به أن يداري سوءات نظام، يفعل بالمصريين أفظع مما يحتوي عليه السيناريو البذئ الذي كتبه لفيلم “اغتصاب كلبة”.
مسكينة هذه الكلبة، تماما مثل كلب شارع شبرا، الذي دخل التاريخ، الذي كتبت فيه وقتها، إنهم يمارسون طقوس الحزن المزيف، ليس حباً فيك، ولا تقديراً لوفائك. ولكن، لأنهم يريدون ابتزاز مشاعر عالم، يوفر حقوقاً لحيواناته، لا تتوفر للبشر في بلادنا.. يريدون أن يهربوا من جرائم ضد الإنسانية، بامتطاء قضية حيوان مسكين، يريدون أن يختبئوا من خياناتهم ثورتهم وإنسانيتهم في حكاية وفائك، ليؤكدوا ما قاله الشاعر الإنجليزي الشهير، ألكسندر بوب: “التاريخ مليء بالأحداث التي أثبتت فيها الكلاب وفاءها على خلاف بعض البشر”.