حلب إذا سقطت فمن المسؤول ؟

أبو يعرب المرزوقي
إذا سقطت حلب فمن المسؤول؟ السنة أو من يدعي المقاومة باسمهم وليس أعداؤها هم العلة. كيف ذلك؟
1. فالمقاومة المخلصة أكثر من استنزفها داعش.
2. وأكثر من خانها صراعها على غنيمة لم تحصل بعد.
3. وأكثر من خذلها الحكام العرب.
4. أما علماء السنة فاكتفوا بدعاء العجائز.
5. وأخيرا لا مبالاة الشعب الذي أغرقته الأنظمة في الحياة النباتية والبهيمية.
وإلا كيف يمكن لأكثر من 90 في المائة من السكان في العراق وسوريا ولبنان يسيطر عليهم أقليات مجموعها لا يصل إلى عشرهم لولا العلل الخمس المذكورة؟
وكيف لبقية العرب أن يبقوا متفرجين على إيران وهي تبتلع الهلال وتنوي ابتلاع البقية وسبق ذلك نفس الاستسلام لإسرائيل؟
لكن العلة الأعمق تبقى حمق قيادات المقاومة وجهلهم باستراتيجية الحروب الشعبية. فكل حرب شعبية لا تضع هدفا لها الانتصار العسكري بل الانتصار المعنوي الذي يمكن من الانتصار العسكري.
كل تجارب الحروب الشعبية كانت عمل حركة ثورية يثبت أن الحرب لا تربحها الثورة الحرب بالضربة القاضية بل بالنقاط عسكريا وخاصة معنويا بسبب عدم التوازن في القوتين.
فحتى فيتنام رغم أنها تستند إلى قوتين عظميين حينها (الصين والاتحاد السوفياتي) لم تهزم أمريكا عسكريا في فيتنام إلا بعد أن هزمتها معنويا في أمريكا.
وحتى الجزائر فإنها لم تهزم الجيش الفرنسي في الجزائر إلا بعد أن هزمته في فرنسا وفي العالم بفضل مساندة العالم الثالث والاتحاد السوفياتي والصين وحتى أمريكا.
وكل ذلك منعدم تماما اليوم بالنسبة إلى الثورة العربية الإسلامية. ومن الغباء عدم أخذ مثل هذه الأمور في الحسبان بمزيد من التركيز على المعنوي وعدم الاقتصار على العنف الأعمى.
فمثل هذه التصرفات التي هي رماية في عماية لا تمكن من النصر بل هي تساعد العدو على توحيد جبهته الداخلية فتجعل أهم عنصر في نصر حركات التحرر يصبح شبه معدوم.
فالمقاومة عادة أقوى روحيا وخلقيا لأنها تتصدى للظلم وتطلب حقوقا والأنظمة عادة أقوى ماديا ووحشية لأنها ظالمة وتنتهك الحقوق والحرية والكرامة.
ولهذه العلة فإن مهمة الثورة لا تتمثل عسكريا في المواجهات الجبهوية لكأن جيشا يقابل جيشا بل هي تسعى لمنع النظام من السيطرة على السير العادي.
وليس من الحكمة أن تتمسك بالأرض وأن تعرض حاضنتها لما لا يحتمل لأنها بذلك تخسر تعاطفها وتمكن النظام من ربح المعركة المعنوية في الداخل.
كما أن استراتيجية الثورة العسكرية تقتضي ألا تقتصر على مصدر وحيد للسلاح وإلا فهي ستخنق إذا اضطر المزود للتوقف عن التزويد بمقتضى مصلحته أو لظرف طارئ كما كان يمكن أن يحصل لو لا قدر الله نجح الانقلاب في تركيا.
لذلك نصحت بفتح جبهة لبنان حتى يصبح للثورة ممرا على البحر فتستطيع توريد السلاح خفية ويستطيع مزودها أن ينكر ما ينسب إليه لوجود هذا المصدر الثاني.
وإذا جئنا إلى المعركة الحالية فإن مواصلة المجابهة جبهة ضد جبهة واتخاذ موقف الدفاع عبث بل لا بد من الانتشار في أرض العدو للحد من دور الطيران.
أما المعركة المعنوية ففيها نوعان من الخطأ: أولا الإعلان على أهداف لم تعد مقبولة في العصر أعني أهداف فرض العقائد وثانيا أفعال مشوهة للثورة والإسلام في آن.
سبق أن علقت على سخافات الجولاني قائد جبهة النصرة وتردده في الانفصال عن القاعدة إلى أن أصبح الإعلان عنه عديم الفائدة فضلا عن عدم مصداقيته وسذاجته.
أما دور داعش في الغدر بالثورة فلا حاجة لبيانه. وأما خذلان الحكام العرب فمثله. وأما لجوء علماء الدين إما للفتاوى المتخلفة او للدعاء فمن مهازل الانحطاط.
وأما لامبالاة الشعوب وانحياز جل النخب ضد الثورة في كل أرض العرب فذلك ليس مهزلة فحسب بل هو دليل على انحطاطين ذاتي ومستورد.
وكنت قلته في نخبتي كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث يكفي تكراره لأن الظاهرة أصبحت جلية بعد الثورة التي فضحتهم فضحها لأدعياء الممانعة.
هل يمكن أن ألام بعد كل هذا إذا قلت إن السنة هزمت نفسها ولم يهزمها أعداؤها. ومع ذلك فلا بد من الإشادة ببطولة شباب المقاومة رغم أنهم شبه عُزل.
فقد هزموا النظام وإلا لما احتاج لإيران ومليشياتها العربية بالسيف والقلم. وهزموا إيران والمليشيات وإلا لما احتاجوا لاستدعاء بوتين الأخرق الذي يتوهم أن الغرب لا ينتظره في المنعرج.
وهزموا بوتين وإلا لما احتاج لاستعمال ما لا تستعمله قوة تدعي العظمة إلا ضد نظيرتها. وما كان ذلك يحصل لولا خذلان العرب وغدر أوباما وجبنه.
ولست أقول هذا تعزية أو تهوينا من النكبة إن حصلت لا قدر الله. لكنها مع ذلك تبقى كبوة مؤقتة مهما كان وقعها: فالمقاومة لن تتوقف. والمطلوب أن تعمل باستراتيجية المقاومة التي تدرك حقيقة الأوضاع العالمية.
وينبغي خاصة ألا تعترف بالحدود وأن تغير خطابها بما يناسب سياسية المراحل: لا بد أن تكون ساحة المقاومة الهلال كله حتى يصبح بوسعها أن تطاول وتخرج من مدن حاضنتها بل تعم كل ساحة المعركة. ولا بد أن تقدم قيم العصر على الأقل في الخطاب.
وإذا كان بوسعها أن تضرب في بلدان من يحاربها فذلك شرعي لأن من يحاربك في بلدك يكون قد شرع لك محاربته في بلاده: الإرهابي هو لا أنت لأنه هو البادئ والبادئ أظلم.
ما عرض في العساكر لم استغربه. فما يحصل للشعوب لا يقل عنه بشاعة. ولما ثارت لتطالب بالكرامة والحرية سلميا رأينا أفعال الأنظمة العربية والعالم.
الإرهاب هو ما رأيناه في العساكر وما نراه في معاملة الأنظمة للشعوب: ستظهر هيئة الحرية والكرامة في تونس إن ما عرض قطرة من بحر الاستبداد.
ولا أقول هذا للتخفيف مما عرض حول العساكر بل لكي أبين أن وضع الشعب ليس أفضل وأن الأمة يمهد بذلك حكامها بشعب ذليل لإمبراطورية فارس وإسرائيل.
ما الفائدة في وصف الأوضاع إذا كان بعض الأنذال كما ذكر لي مساعدي يتنمرون -بدعوى الغيرة على أوطانهم- معتبرين ما أقوله أمرا ألام عليه. لكن هؤلاء الأوباش لن يفهموا ما أقول إلا عندما يغزو الحشد بلادا ممثلوها مثلهم حمقى ونيام.

Exit mobile version