نرجعوا للأمور الجدّيّة…
اليوم شدّتني هستيريا متاع ضحك وتنبير، تماما كيما هستيريا الضّحك اللّي تشدّ الواحد ساعات في الجنائز، وعلى راس الميت…
نوع من التّفريغ، النّاتج عن حالة يأس قاتم وإحباط وشعور باللاّجدوى…
اللّي شفناه اليوم الكلّ، ربّما يكون في حدّ ذاته مؤشّر على فتح فجوة في نهاية النّفق..
لكنّ المشكلة في نظري تبقى في مكان آخر، نحن غافلون عنه تماما…
المشكلة أنّ كلّ تلك المشاريع، أو النسبة الغالبة منها، ستصطدم بعوائق البيروقراطية المعتادة، ويهجّ المستثمر إلى أيّ صحراء في العالم، تاركا الخراب لأهل الخراب، والتاريخ يخبرنا أنه حدث ذلك بالأمس البعيد والقريب… بسبب ديناصور إداريّ بيروقراطيّ بارك على كلّ المسارب والمسالك في الدّولة…
المشكلة أنّه ليست لدينا سلطة سياسيّة وطنية وشفافة وقوية وقادرة على متابعة كلّ تلك المشاريع وضمان إنجازها في الآجال وفي الظّروف ووفق الاعتمادات الّتي رصدت لها..
المشكلة أنّه ليس لدينا نقابة وطنيّة تعرف وقتاش تدافع ووقتاش تهاجم، وتحطّ المصلحة العليا للبلاد كخطّ أحمر مقدّس (ونعرفوا قدّاش من مؤسّسة غادرت البلاد بسبب عنجهيتهم وغبائهم وتبوريبهم ولا وطنيتهم).
المشكلة أنّو الوضع اللّي وصلنالوا اليوم، لم يكن بسبب عوامل خارجيّة أو كوارث طبيعيّة أو أيّ أسباب موضوعيّة مفهومة… كان بسبب تكالبنا وساديّتنا وحقدنا على بعضنا وحساباتنا القطاعية والسياسية المنحطّة…
المشكلة أنّو ما عندناش شعب واعي يؤمن بالعمل ويخاف على بلاده ويضحّي من أجلها كي يلزم ويفكّر في حاجة اسمها المصلحة العليا…
عندنا شعب بارك، يموت على اللّقمة الباردة، عقليّته عقليّة ندوّر الزّيرو ونسلّك أموري، ممّا أنتج جيشا جرّارا من الموظّفين الّذين يعلفون ولا ينتجون، و70 بالمائة من اقتصاد الحيلة والفهلوة الذي لا يقوم على إنتاج حقيقيّ وإنّما على سدّ الخانات…
نظرة التّونسيّ لبلاده مازال يعتبرها عاهرة بنت شارع، يرقد معاها ليلة وغدوة كل واحد يمشي في طريقو وما عادش يراها ولا يتفكّرها…
ومثلما قال المتنبّي: “ولكنه ضحك كالبكاء”، فإنّ صورة بلادي اليوم وهي تعرض في مزاد الأمم، تباع كجارية بالقطعة… يحزنني ذلك كثيرا إلى حدّ الضحك الجنائزيّ الهستيريّ،
في ظروف كيما هذي زايد نكذبوا على أرواحنا…
الفلوس تمشي والرّجال تجيبها…
لكن كي تمشي الرّجال… ما تجيبهاش الفلوس!