أزمة المدرسة التونسية وشعبوية الصراعات… من أفسدها عقودا لن يُصلحها أبدا
الحبيب بوعجيلة
احتج المربون على الزمن المدرسي ونظام الامتحانات واستهداف السيد ناجي جلول لهيبتهم باستمرار في سياق جهده الشعبوي للاستثمار في مشاعر شعب مستاء فعلا من المؤسسة التعليمية وغير مُدرك لإعاقاتها الحقيقية المتعددة من الزمن المدرسي إلى مضامين البرامج وصولا الى الاهداف التربوية وخطة بناء الإنسان التونسي بملامح تؤهله للانخراط في عصر المعرفة والقوة والحصانة الوطنية والثقافية في مواجهة خراب العولمة ودمار التطرف والارهاب الظلامي.
تعاطف شعبنا الكريم مع الحل السهل للسيد الوزير في اختزال أزمة التعليم في المربين وحالة البنية التحتية لينال بذلك السيد ناجي جلول أسبقية دائمة في استطلاعات الزرقوني دون أن يقول أحد أن حالة المدرسة التونسية هي مكانك سر تدور في الحلقة المفرغة للإجراءات الشعبوية وقرارات الارتجال الاستعراضي المصنوعة للتسويق الإعلامي.
توترت العلاقة مع النقابات فناور السيد الوزير السياسي معها في التسويات على حساب التشخيص الحقيقي لأزمة المدرسة. أرضى النقابات “الحداثية” ومنحها السبق في مقاومة “الرجعية” عبر إقصاء “الخوانجية” أو “المتعاطفين معهم” أو “غير المعادين لهم” في ما سُمي بالاستشارة والحوار “الوطني” حول “الاصلاح” واعاد في غفلة من هذه النقابات نفس مهندسي أزمة التعليم التونسي منذ “بن علي” ليكونوا الآن عرابين لما يُسمى بالقانون التوجيهي الجديد للإصلاح التربوي يزعم ارضاء كل فصائل جبهة “الإنقاذ” من “المصابين بفوبيا الخوانجية” ولكن قوى التأصيل والهوية والتحرر الوطني والحداثة الديكولونيالية بمن فيهم القيادات الوطنية في النقابات و”الإنقاذ” ستكتشف سريعا مرة أخرى فداحة تسليم ملف الإصلاح التربوي مرة أخرى لقوى الإلحاق الثقافي والعولمة النيوليبيرالية المدمرة وتعليم نظام السوق من شبكة عهد ومعهد حقوق الإنسان وجنرالات المدرسة التونسية التاريخيين وسيكتشفون أن الهروب من “قطرة الخوانجية” سيبقي المدرسة التونسية دائما تحت ميزاب “الصندوق العولمي المخرب” للأرواح والعقول ما لم يخرج المعنيون بالاصلاح من فخ “الاستقطاب الايديولوجي” الذي يستغل فيه المتنفذون غباء الطرفين من الجهتين واحترابهم الشكلي.
بدأت مظاهرات التلاميذ وتكتشف النقابات ويكتشف التلاميذ الآن وسيكتشف الشعب الكريم مرة أخرى أن المدرسة التونسية كانت مثل غيرها من المؤسسات بعد الثورة ضحية التجاذبات والصراعات الايديولوجية والشعبوية الجانبية ولمناورات السياسويين و”تحيل النداء” بعيدا عن الطرح الجدي الهادئ والعميق لمشكل مدرسة تونسية بلا افق. وستكون الحلول مرة أخرى تسويات ومراكنة وإدارة لأزمة دائمة لمدرسة توقفت من عقود عن انتاج انسان تونسي متوازن وفاعل متجذر في تربته الوطنية مفتوحا على كونية إنسانية لتستمر في رعاية الفراغ والخواء والجهل الممأسس بكثافة شكلية لبرامج ومناهج بلا أهداف تركت أجيالنا في مهب رياح الانغلاق والاستلاب.