نور الدين الختروشي
رغم يقيني ان في جهاز القضاء كما في كل أجهزة الدولة قضاة فاسدون ومفسدون، ولا استغرب ان نصدم في المستقبل بتجاوزات محبطة، فإن مسار تطور الحالة التونسية اليوم هو مسار إصلاح وتطهير لكل الاجهزة وهو تطهير ناعم غير عنيف وغير فجئي وغير إرادوي ولكنه مصمم وعميق وصامت مدجج بسلاحين الاصلاح الدستوري والهيكلي من جهة ورقابة الرأي العام من جهة اخرى، هنا جوهر الانتقال الثوري / التاريخي الذي تصنعونه اليوم بما يبدو لكم بسيطا بالمقاس الثوري التقليدي.
حرية التعبير أولا ثم استقلالية القضاء ثانيا ثم إعادة توزيع الثروة ثالثا
البارحة تعلن تونس الجديدة إنجازها الضلع الثاني بعد حرية الإعلام وهي حتما ماضية لتستكمل الضلع الثالث من مثلث زمنية العقد والحداثة السياسية.
البارحة كانت تونس الجديدة تكنس تونس القديمة بهدوء ونعومة من مربع استراتيجي حاسم في الفصل بين زمن الاستبداد وزمن العقد…
انتصرت تونس الجديدة ليس لانها اقوى من نصفها الواقف هناك والمرتعب من ضوء الحرية بل لان تونس تحررت بقَدرٍ حوَّلهُ ذكاءُها إلى تاريخ…
تحولت بالقليل من وعينا وبالقليل من جهدنا من جبرية القدر إلى وعي الإرادة العامة.. إلى التاريخ، ولم تكن تونس في حاجة الا لهذا القليل من الوعي والإرادة والاستثمار في الحرية..
الكثير كان يمكن أن يكون قاتلا..
أو لم يقتل شوق بقية دول الربيع العربي.
تونس الجديدة أعمق من تونس القديمة وتونس القديمة أنشط من تونس الجديدة لماذا ؟؟ ببساطة لأن تونس القديمة تدير معركة وجودها هذا في حين تعمل تونس الجديدة على تحسين شروط وجودها..
هنا مفصل القراءة والتأويل والاستشراف.
