الحبيب بوعجيلة
من المتوقع أن يتم استغلال وضعية غضب خصوم النهضة بمختلف أطيافهم من حكم البراءة الصادر في حق المتهمين في وفاة المرحوم لطفي نقض وستتقاطع مصالح أطراف عديدة لإعادة خلط الأوراق في المشهد السياسي الحالي والاستفادة حتى من تطورات الوضع الدولي وتداعيات الأحداث في المنطقة.
خصوم الباجي وشق ابنه حافظ في ما تبقى من النداء سيمارسون تحشيدا كبيرا في مواجهته وان كان من المستبعد أن يتم تقارب استراتيجي مع مشروع محسن مرزوق ولكن تبادلا للمصالح والمؤامرات بين “الخصوم” و”المشروع” وارد. “التجمعيون” الرافضون للنهضة سيكثفون من التنسيق التكتيكي مع “الخصوم” و”المشروع” واستغلال قدرتهم على النفاذ واستعمال مؤسسات الدولة في منافسة “مركب الحكم الحالي” ومواجهة مسار محمد الغرياني وأنصاره ممن يدفعون في اتجاه “وفاقات تاريخية” مع الاسلاميين و”ندائيي السبسي”.
تداعيات قضية نقض ستتواصل في محاولة للتشويش على جلسات الاستماع في هيئة الحقيقة والكرامة ومواجهة إمكانيات ارتفاع نسق مقاومة الفساد. لوبيات الفساد من رجال المال المدفوع للإعلام وجلادو وفاسدو الادارة والمسؤولون السياسيون على محرقة التسعينات سيعملون على إطالة عمر الصراع والاستقطاب السياسي وتوازن الضعف بين تحالف الحكم ومعارضته “الضد نهضوية” لضمان استمرار تقاسمهم للدولة العميقة ومراكز القرار في سياق غبار “الاستقطاب”.
الجبهة الشعبية ورغم بدايات الاختلاف في وجهات النظر بين مكوناتها حول أسلوب التعاطي مع “أجنحة النداء” و”المشروع” و”خطوط التجمع المنحل” ستختار على الاغلب الانحياز إلى الفريق “الضد نهضاوي” في مواجهة نداء السبسي” وخط “الدساترة التسووين” نظرا لاعتماد اليسار الراديكالي على ثابتة استراتيجية في ترتيبه للخصوم والأصدقاء على قاعدة “الموقف من النهضة” ونظرا حتى إلى طبيعة التموقع في الصراع الدولي في المنطقة والذي يحتم وجود اليسار في مقابل النهضاويين بالضرورة ولكن المؤكد أن اليسار الراديكالي لن يضع هذه المرة كل بيضه في سلة “الشق” و”المشروع” كما فعل مع الباجي في “جبهة الروز بالفاكية”.
ما يُسمى بالخط “الديمقراطي الاجتماعي” أو “الوسطي” أو ما يُنسب إلى “خط الثورة” بعيدا عن الاستقطابات التقليدية لن يملك قدرة على تمييز موقفه بقوة في لعبة استقطاب أقوى من “مكونات الخط الثالث” وهو استقطاب سوف يُقحم الجميع ويُجبرهم على الحسم في خياري التموقع بين “الفسطاطين” ولعل مكونات هذا الخط الثالث مازالت تعاني من مخلفات انتماء بعضها إلى الترويكا وبعضها إلى “الرحيل” اضافة الى تمسكها بخيارات “الثورة” و”الانتقال الناجز” مما يجعلها غير “جاذبة” للماكينة الاعلامية ولا لتمويلات الفاسدين التي ستنشغل أساسا بإشعال حرب الاستقطاب ووأد ذكرى الثورة والانتقال الحقيقي.
من المؤكد أن الاستقطاب الحالي سيكون أقل حدة مما سُمي باستقطاب “الروز بالفاكية” و”الشرعية” في سنوات ما بعد انتخابات 2011 باعتبار أن “النهضة” هذه المرة تتمترس الى جانب قوى كانت في مواجهتها في الاستقطاب السابق (نداء السبسي وشق من الدساترة) ولكن “التوافق” مع هذه القوى وخصوصا مع الباجي ليس مضمونا باستمرار بل هو محكوم بسياقات ابتزاز لا تخفى وقد تدفع النهضاويين إلى القبول بخيارات معادية لمسار الثورة والانتقال وأهدافه في المحاسبة ومقاومة الفساد واستقلال القرار الوطني والعدالة الاجتماعية مما سيمنح التيار الضدنهضاوي هامشا كبيرا لاستثمار الأخطاء وان بحدود. في المقابل تبدو الطبيعة الانتهازية لقيادات “الشق” و”المشروع” مجال مناورة ممكنة للباجي أي لأبيهم الشرعي للتمكن من اختراق صفوفهم مقابل مغانم وامتيازات “الدولة”.