هل الوهابيّة حركة إصلاح ديني أم هي قاعدة فكريّة للحركات الإرهابيّة ؟

محمد المولدي الداودي
(الأفكار والحركات السياسيّة : مسارات وتحوّلات)
ما أذكره جيدا في سنوات التسعين (1994).. أننا كنا ندرس في السنة السادسة ثانويا وفي مقررات كتاب التاريخ وبرامجه أن حركة محمد بن عبد الوهاب هي حركة إصلاح ديني وما أزال أحتفظ بنسخة من هذا الكتاب وكثيرا ما أعود إليها لمراجعة بعض المسائل التاريخية.
فما الذي تغير؟
أعتقد أن كتابات محمد عبد الوهاب لا تعبر عن انحراف فكري فهي امتداد لما يراه كثير أنه من أصيل الفكر الإسلامي وهي بذلك حركة تجديد وتصويب وإصلاح ولها مقامها الحضاري والثقافي الذي يمثل الحيز الدلالي الذي لابد أن ننطلق منه في فهمنا للنظام الفكري الوهابي.
ما تغير هو الواقع السياسي والتحولات التي أصابت المنطقة وهذا الصراع الإيديولوجي والمذهبي الذي ابتليت به وغذته نوازع عالمية ما تزال تتربص بالمنطقة العربية الإسلامية ولذلك اختلفت زوايا المعالجة النقدية لهذا الفكر.
سأحاول أن أطرح سؤال العلاقة بين الفكر الوهابي والإرهاب وفق رؤية أشمل تبحث في مسارات الإرهاب العالمي تاريخيا:
• ما الذي غذى فكرّيا الحركة الاستعمارية العالمية التي قتلت وشردت الملايين من البشر؟
• ما الذى دفع فكريّا بأوروبا المتحضرة إلى خوض حربين عالميتين أزهقت فيهما ملايين الأرواح؟
• هل الوهابية هي القاعدة الفكرية للنازية والفاشية وغيرهما من الحركات العنصرية في العالم المتقدم؟
• هل الوهابية هي القاعدة الفكرية للكيان الصهيوني القاتل؟
• ما هي القاعدة الفكرية للحركات الانفصالية في أوروبا التي ابتكرت العمليات الانتحارية والتفجيرية في الساحات العامة والفضاءات الكبرى الممتلئة بالأبرياء المدنيين؟
• ماهي القاعدة الفكرية للحركات الكردية الانفصالية التي تتبنى العنف والقتل؟
• ماهي القاعدة الفكرية للحركات اليسارية العربية التي اختطفت الطائرات وفجرت المؤسسات واحتجزت الرهائن في السبعينات قبل ظهور التيارات الإسلامية الجهادية العنيفة؟
• ما هي القاعدة الفكرية للأنظمة القومية العربية التي قاتلت شعبا أعزل في اليمن في زمن عبد الناصر ودعمت كل حركات التمرد العالمي بأموال الشعوب المقهورة زمن نظام القذافي وذاقت تونس وبال ذلك في أحداث قفصة؟
• ما هي القاعدة الفكرية للأنظمة العلمانية التي تحولت إلى أنظمة طغيانية أذاقت شعوبها ويلات الاستبداد؟
• في الثورة البولشيفية وما بعدها مسارات من الدم والقتل والاغتيال وملايين ابتلعتهم ثلوج سيبيريا.
• وفي الثورة الصينية ثلاثون سنة من الجوع والقمع والقتل والتعذيب.
• وفي الثورة الإيرانية آلاف الإعدامات في الساحات العامة وما تزال الإعدامات إلى اليوم.
• في خضم معركة التحرير الفلسطينية شاركت كل الأنظمة العلمانية والقومية والملوكية في قتل الشعب الفلسطيني في مخيمات الشتات في لبنان وسوريا والأردن.
تحالفت السعودية النظام والفكر مع كل الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي ومنه نظام بن علي الذي لجأ إلى السعودية ودفعت الجيش الجزائري إلى الانقلاب على نتائج الانتخابات في التسعيينات وهذا ما دونه قادة من الجيش الجزائري في مذكراتهم.
لم يكن النظام السعودي صديقا للثورات والشعوب وكان حليفا موضوعيا لبعض النخب التونسية والعربية التي تصفه اليوم بدعم الإرهاب حين دفع العسكر في مصر إلى الانقلاب على رئيس منتخب.
ما يزال النظام السعودي يتآمر على كل الحركات الإسلامية ذات المرجعية الإخوانية في مصر وتونس وليبيا وحتى في اليمن.
فعن أي فكر وهابي تتحدث نخب الثقفوت في تونس ؟
هل الفكر الذي يتبناه النظام السعودي وكثير من الأنظمة الخليجية ومنها الإمارات التي تغدق كثيرا من المال على هولاء الثقفوت في تونس وغيرها من البلدان وهو الفكر الذي يحرم الخروج عن الحاكم وإن كان ظالما وامتداده في مصر حزب النور السلفي وشيوخه الذين دعموا الانقلابي عبد الفتاح السيسي وأيدوه في قتله للإخوان؟
هل الفكر الذي تتبناه القاعدة وغيرها من الحركات المصنفة عالميا حركات إرهابية؟
أعتقد أن الإرهاب العالمي يتجاوز الأفكار العامة والتحليلات السطحية الملونة بألوان الصراع الفكري والحزبي ويتجاوز ذلك الجمع البسيط بين حركة دينية وأفعال إرهابية يتداخل فيها العامل الاجتماعي والسياسي والثقافي.
حركات العنف الرمزي والعنف الثقافي والمبالغة في عمليات المحو الحضاري ستنتج حتما حركات عنف مسلح مجنونة وثأرية.
البحث العلمي والموضوعي هو الكفيل وحده بتشخيص الظاهرة وتفكيك العناصر المكونة لها ثم معالجتها أما دائرة الصراع السياسي فهي دائرة ضيقة وغير محايدة ولا تصلح للاستنتاج العلمي.
%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%87%d8%a7%d8%a8

Exit mobile version