“ترامب” وجه أمريكا الغاضب
مختار صادق
كتبت على صفحتي لثلاث أشهر خلت (يوم الثاني والعشرين من شهر جويلية الفارط) ما يلي:
“تخميني أن هذا الرجل سيصبح رئيس أمريكا القادم لأنه يمثل القطع مع المنظومة الحالية ويستجيب لمشاغل الملايين من الأمريكيين الغاضبين في حين أن منافسته “هيلاري كلينتون” تبدو غير جذابة وتنقصها روح الإنتصار إضافة إلى متاعبها القانونية المرتبطة ببريدها الإلكتروني.
المزاج العام للناخب الأمريكي يميزه الغضب وعدم الرضا بالواقع الحالي لأن المستوى المعيشي للكثير من الأمريكيين قد تدهور في السنوات الأخيرة. وكما لم يتوقع الكثير من المحللين خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ويتوقعون فوز هيلاري كلينتون فأظن أنهم سيخطؤون مرة أخرى فما لاحظته شخصيا من حجم الغضب بين الأمريكيين يدفعني للتكهن بفوز “ترامب” برئاسة أمريكا الخريف القادم ليدخل العالم بذلك مرحلة جديدة مفتوحة على كل الخيارات!”
للأسف وبعد صدق هذا الحدس (الذي جادلني فيه الكثير من الأصدقاء الأمريكيين وغير الأمريكيين) هذه بعض الملاحظات السريعة:
أ. النتائج تظهر مدى غضب الأمريكيين على الطبقة السياسية. هذا الغضب والتململ هو في كل بلدان العالم ولا يبشر بالخير الكثير من حيث الأمن والإستقرار والسلم العالمي!
ب. رسالة الشعب الأمريكي ليست داخلية فحسب فهي أيضا دعوة لكل السياسيين في العالم أن يتحسسوا جيدا مواقع جلوسهم على الكراسي الدافئة قبل أن تبرد مع أول استحقاق انتخابي قادم. فخيارات “التوافق” والمحاصصة الحزبية و”المصلحة العليا” لن تقنع كثيرا الناخب الغاضب!
ج. كثير من الأمريكيين صوتوا لـ”ترامب” وهم غير متفقين معه بشأن مواقفه العنصرية ضد النساء أو “اللاطينيين” أو المسلمين ولكنهم يطمحون إلى تغيير المشهد السياسي الذي لم يستجب للكثير من تطلعاتهم.
د. توقع المزيد من التوترات بسبب سعي إدارة “ترامب” لفتح ملفات الإتفاقات التجارية (مع الصين والمكسيك خاصة) والعسكرية (الإتفاق النووي مع إيران) من جديد.
ه. تأثر أسواق الصرف العالمية بهذا “الزلزال” الأمريكي مما قد يترجم إلى خسارة بمئات البلايين من الدولارات (كما حصل عقب تصويت البريطانيين لخروج بلادهم من الإتحاد الأوروبي).
و. مزيد الدعم للسياسة الإسرائيلية الإستيطانية على حساب الحق الفلسطيني.
ز. ارتفاع منسوب الكراهية في الداخل ضد الأجانب والمهاجرين والمسلمين.
ح. توقع مزيد الضغوط على الدول العربية والإسلامية من “أجل محاربة الإرهاب” وبالخصوص على الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية فـ”ترامب” وأتباعه من اليمين المتطرف أو المتصهين يكرهون “الإسلام السياسي” بكل تنوعاته ويضعون الجميع في سلة واحدة بل أنهم يعتبرون الدين الإسلامي أصلا هو سبب مشكلة الإرهاب في العالم!
ط. لا حل أمام الشعوب العربية والإسلامية سوى التوحد ونبذ الخلافات المذهبية والعرقية والسياسية أمام تقارب متوقع بين “ترامب” و”بوتن” على حساب مصالح الأمة خاصة في سوريا وفلسطين وغيرهما.
ي. السياسة الأمريكية تديرها المؤسسات وليس الأشخاص وبرغم حجم الرئيس يبقى ما وضعه الدستور من سلطة في أيادي الكنغرس (السلطة التشريعية) والمحاكم (السلطة القضائية) كافيا للحيلولة دون التحول الفجئي للسياسة الخارجية والداخلية ولكن التغيير قادم وقد يستغرق أعواما بدل أشهر.