أوراق القضية الفلسطينية التي أريد لها الإقبار تحت خداع ما يسمى بالاحتلال الهادئ، لا أقول أن هذه الأوراق : بلغت حمل بعير، و إنما هي أحمال، وقضية الأمة قبالة ذلك آخذة بالتراجع والعد العكسي، (إسرائيل) ماضية في قضم أطرافنا، والواحد تلو الآخر، هذه الأوراق لو أحرقت على أرض فلسطين لكانت كافية أن لا تبقي فيها عدوا لله، ولو أحرقت على الساحة العربية لطهرتها من كل الذين يعملون لمصلحة يهود، سواء أكان ذلك عن عمالة أم هبالة.. فأصبحت اليوم جميع الكتابات والخطابة والصحافة، والبيانات والمؤتمرات أقنية مرسومة مسبقا لتفريغ العواطف وتنفيس الطاقات والاعتماد النفسي للأمة، وخصاء معاني المقاومة الصلبة والحقة من حياة المسلمين..
لقد أصبح الاحتجاج فنا قائما بذاته في أدبنا السياسي، أو في فكرنا السياسي، ولسوف يحفظه لنا التاريخ دون منازع، وأصبحت الشكوى والتنديد وسيلة علاج خادع، إنها عودة إلى الطفولة البشرية التي تتوهم أن كل المشكلات إنما تحل بالبكاء والصياح والاحتجاج والخطب والمؤتمرات، أنا هنا لا أدعو إلى كسر الأقلام، وإلغاء الصحف، وإيقاف المنابر.. لكن المشكلة عند الكثير منا أن هذه الوسائل انقلبت إلى غايات في حد ذاتها، تأكل القضية فيزداد الارتكاس.. فأقول دائما : مات الملف الفلسطيني وشبع موتا، ولم تعد قضية إسمها القضية الفلسطينية، لما تحولت القضية من الخنادق والبنادق إلى ردهات الصالات والفنادق !!
فهل نذكر ذلك أم نتابع في فقدان الذاكرة، فيصدق فينا قول القائل : يرضى القتيل وليس يرضى القاتل..
وخشيتي أكثر أن يشكل هذا الذي عليه الواقع اليوم مناخا تُنَشَّأُ من خلاله الأجيال، وتربى عليه الأطفال، فنفتقد الكلمات معناها، وتنتهي الأمة إلى لون من التضليل والضلال، تضيع عليها الجهات، وتختلط عندها المفاهيم، ويتوارث الأبناء عن الآباء كثرة الكلام وقلة الأعمال، واهتزاز القيم، واعوجاج المقاييس..