الدولة مطالبة بالتركيز على التنمية وليس فقط النموّ
شكري الجلاصي
كثير من الأصوات الليبرالية تتعالى وتتطالب بتراجع دور الدولة في الحياة الإقتصادية والحال أنّنا نشهد ضعف فادح وتراجع للقطاع الخاص في الإستثمار وأخذ المبادرة والمخاطرة وبعث المشاريع في القطاعات ذات القيمة المُضافة القادرة على خلق مواطن الشغل كبرى.
في هذا الظرف بالذات إقتصادنا يشبه وضعية الدولة الأوروبية في بداية القرن الماضي، نحن بحاجة لدور قوي للدولة على الأقل في العشرية القادمة وأن تكون هي القاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني ورسم التوجهات والخيارات الكبرى ووضع أهداف معلنة تجيب عن ماذا نريد وأي طريق سنسلك للوصول لذلك، في إنتظار أن يتعافى القطاع الخاص الوطني وينهض وينمو بما يمكنه أن يكون عضدا قويا للقطاع العام في تحقيق التنمية والعدالة الإجتماعية،
ما نحتاجه ليس تقليص وتراجع دور الدولة ولكن تطوير آليات تصرفها وتدخّلها في الشأن الإقتصادي وإصلاح إدارتها وطريقة تسييرها للمؤسسات العمومية وأن يكون التركيز على التنمية وليس فقط النموّ.
الدولة مطالبة مثلا بأن تضع أهداف كبرى وفق مخطّط لتوفير تعليم وصحة ونقل وخدمات عمومية إجتماعية ذات جودة لعامة التونسيين وأن تركّز كل جهودها على ذلك وتفعّل ما يستلزم من موارد ضمن خطة طوارئ إقتصادية عامة وشاملة.
الدولة مطالبة أن تكون لها خيارات صناعية وفلاحية وخدماتية وأن تشجع القطاع الخاص على الإستثمار فيها وتتفاعل مع مطالبه ورؤيته للوصول لذلك ضمن مناخ إستثمار نقي وشفاف يضمن المنافسة الشريفة والتميّز.
الدولة مطالبة أن تقطع مع سياسة منوال نموّ يخضع للطلب وأن تتوجّه نحو منوال نموّ يحرّكه العرض.
الدولة مطالبة أن تراجع خيارات ومنوال التوريد حتى يتلائم مع حاجيات شعبها الأساسية.
الدولة مطالبة بأن تراجع طريقتها في تسيير الميزانية وأن تضع حدّ للتداين الخارجي وتكفّ عن محاولات الترقيع هنا وهناك لإرضاء من تتوسّم فيهم لإقراضها، وذلك عبر مصارحة شعبها ووفق بيداغوجيا تبسط وتكشف المستور.