تونس وأضغاث الديناصورات: الشابي نموذجا
أبو يعرب المرزوقي
إذا كان الشابي لم يتعلم وهو في السبعين إلا عدم التعلم فمتى سيتعلم؟ذلك هو السؤال الذي تبادر إلى ذهني لما سمعت ليلة أمس بعض ما قاله حول بناء حزب المستقبل.
هذا رجعل تسرع عديد المرات منذ بداية الثورة في اختيار افسد الحلول: قبل أولا ب”غم” الثورة فدخل في حكومتي الغنوشي وزير ابن علي الأول لعقد.
وكان ذلك لأنهم أوهموه أنهم ينوون تعيينه بدلا من ابن علي الذي فر. فكانت النتجية أن ابن علي فرمن الثورة للخارج والشابي فر لوهم تعويضه في دوره مع الباقين من مافيته.
لماذا أقول تعويضه في دوره؟لأن المافية التي أوهمته بذلك كانت تحتاج لإيقاف الثورة التي فشل ابن علي في إيقافها فتخلوا عنه وبحثوا عن بديل ممكن.
لكن ما أقنعه-لانه لم يكن قصيرالنظر إلى حد الحد-هو العامل الخارجي: اراد كما تبين في حملته الانتخابية الأولى أن يقدم للخارج عدوا للظلامية.
تسرع في هذه اللعبة التي نجحت لاحقا لما لعبها السبسي الذي انتظر ثمرة إفشال التجربة الإسلامية التي لم يكن الغرب معارضا لإفشالها بخبث الدهاة.
توهم قبل الأوان أن شعار الديموقراطية والتنوير ضد تهمة “الفاشية والظلامية” الإسلاميتين كافيين لضرب عصفورين بحجر واحد: رضا التجمعيين والغرب.
ولا حاجة لبيان النتيجة الأليمة التي توصل إليها وكان من المفروض بعدها مباشرة أن يعترف بخطإه السياسي: ظن شعاره والتخويف من الإسلاميين كافيين.
ولما واصل رغم هذين الخطأين لم يؤد دور المهزوم بروح رياضية بل اصبح قائدا لأعداء التجربة في المجلس وقد حاولت إقناعه وبعض معاونيه فعاندوا بل وتنمر بعضهم من كبارهم وشبابهم فعيرني بأني لا أفهم في السياسة وتنقصني الكياسة.
كانوا يدعون أنهم فرسان السياسة وأنهم يعرفون ما يفعلون حتى جاءهم من “مرمدهم” أعني السبسي الذي احتاج إليهم في ما سماه جبهة الإنقاذ فركبهم لينقذ مشروعه ثم أغرقهم فمحاهم من الوجود السياسي الوازن.
ثم جرب الانتخابات البرلمانية والانتخابت الرئاسية وتلك التجارب الأربع التي خاضها بعد الثورة وكلها درجات الفشل فيها متنامية. لكنه يعيد الكرة في كل مرة.
وهذه هي خامسة الأثافي-لم تعد ثلاثة لأن الموقد موقد غاز وقوده ليس حطبا ولا فحما-يحاول فيها تكوين جيش كله جنرالات من زبائن ابن علي أو أو مافياته.
وهذا الجيش المكسيكي يطمع في وراثة “التروب” التي ولت الأدبار من جيش السبسي المغوار في تعطيل المشوار وتخريب الديار لجمعه كل الاقعار من جنرالات آخر الأدهار.
ففقر الخيال اللاعب بورقة الديموقراطية الحداثية ضد الفاشية الإسلامية أصبحت عملة مماثلة لما آل إليه مصير العملة في تونس ومصر بعد أن جاءوا بالتخويف من الإسلاميين وحجة عدم كفاءتهم.
حكموا ستين سنة فلم يروا ما أدت إليه من دمار للديار وقضاء على الاعمار خارج الفترينة التي كانوا يكذبون بها على العالم حتى “صكت” الثورة فترينتهم لتظهر سوأتهم.
متى؟ سبق السيف العذل: فقد جربت هذه الورقة وفشلت.فأي واحد له ذرة من عقل لا يمكن أن يعتمد على هذه الورقة في الداخل أو في الخارج.
ففي الداخل لن نصل إلى الانتخابات القادمة إلا ويكون الشعب التونسي قد كفر بلعبة السبسي فالسياسة لا يكفي فيها الضمار البلدي والافلاس الفعلي تصورا وإنجازا.
والغرب بعد “الكاتاستروف” في كل مكان لعبها ضد الإسلاميين-من ليبيا إلى سوريا-فهم أن بلادنا لا تحكم بمصادمة غالبية القاعدة الشعبية الإسلامية؟
ولما كانوا يريدون على الأقل المحافظة على “فترينة” في تونس فإنهم سينصحوه بغيرها إن راهنوا عليه. وأنا واثق بألا أحد يراهن عليه حتى في حزبه.
وكان يمكن أن تستعمله النهضة لو يكن لها هي بدورها طموحات رئاسية وهي طموحات اعتبرها خطأ تاريخيا فالحل رئيس محايد في قضية نماذج الخيارات المجتمعية.
تونس بحاجة لرئيس يؤدي الوظيفة الرمزية والخلقية التي تحقق المصالحة بين التونسيين وليس له انتساب واضح لأحد الصفين في الصدام الحضاري الداخلي.
لذلك فإن أرى أن على الشابي والمرزوقي وابن جعفر وكل الطبقة السياسية التي تنتسب إلى هذا الجيل وما بعده أن “تمصمص” وأن تؤدي بالسلطة الرمزية.
لا بد من جيل يخرج من الصراعات الماضية ويختار ما بدأ يصبح أخلاقا موضوعية في تونس كما اراها في الشارع وفي المؤسسات التربوية والإدارية.
اصبح الشعب متصالحا في ما بينه وبينه ولا يميل للصدام الحضاري بين حداثي وإسلامي وبين كاس وعار والكل معترف بالكل ومحترم لحرياته في حياته الخاصة والعامة.
وهذه ثانية فضائل ثمرات الثورة: المصالحة الحضارية والحرية التعبيرية. لم يعد أحد يستغرب رؤية المتحجبات أو العاريات ولا أحد يمكن أن يقمع أحدا في التعبير عن رأيه.
أما الريق البارد الذي يريد به بعض الساسة حكم تونس ضد خيارات شعبها الخلقية والروحية سواء كانت تقليدية أو تحررية فدليل سذاجة سياسية وخفة عقل خلقية.
الشعب التونسي تصالحت غالبيته ولم يبق الخيال المريض إلى عند بعض المرضى من كاريكاتور الحداثة وكاريكاتور الاصالة بقايا الاستعمار والانحطاط.
لما قرأت تصريح المرزوقي قبل أن يصبح رئيسا حول التربية في جريدة بيروتية وفي مواقفه الرئاسية ورايت الشابي في حملته الانتخابية الأولى وفي صولاته النيابية فهمت أن الرجلين يمثلان كاريكاتور الحداثة وقشور الثقافة ومسخ السياسة.
فلا يمكن لمن يصبوا لقيادة شعب ثار شبابه أن يكون مصابا بداء السذاجة والزعامة « السردوكية » والعداء للثقافة الوطنية لينال رضا أصحاب الذهنية الاستعمارية.
الديموقراطية من شرطها أن يكون الحاكم متصالحا مع ثقافة شعبه وليس مبشرا بثقافته الشخصية. الديموقراطي مصلح لوضع شعبه وليس مبشرا بتغيير قيمه.
لذلك فلا يمكن لليسار العربي وللقوميين ولأدعياء الديموقراطية والحداثة أن ينالوا رضا الشعب ومن ثم فميلهم بالجوهر دكتاتوري وليس ديموقراطيا.
كل من له ماض قومي ويساري وعلماني من النخب العربية ربوا تربية دكتاتورية ولهم نهم زعاماتي لا يتماشى مع أخلاق الديموقراطية والحرية والكرامة الإنسانية.
انتظار السبسي الفاقد حاليا لوريث معلوم قد يختار أحد ديناصورات الماضي -ممن ذكر الشابي في محاولته-يبدو لي طمعا في غير محله ودليل خيال فقير.
فالثعالب كثيرة والماء الجاري تحت الجسور لا يكاد يتوقف والحسم في الامر لم يعد بيد السبسي لفشل محاولته ثم المافيات صارت تعمل بالمكشوف.
والمافيات لا تراهن على الجواد الخاسر. ولا بد أن يكون لها بعد خيارا معينا تفاهمت حوله مع من ما بقي من الدولة يمد يده في تسوله المهين.
نحن على أعتاب الكوميسيون المالي الثاني. ذلك هو المحدد حاليا. لا أمل للديناصورات إلا إذا كانت المافية الأقوى قد أعدتهم “رو دو سكور” للطواريء.
فقد يحدث أمر مفاجئ قبل أن يتم “التوافق” بين المافيات لاختيار من يؤدي المطلوب حتى يواصلوا نهب البلاد ومص دم العباد فيتفقوا على أي قواد.
لكنهم حينها لن يحتاجوا لمن يصعب أن “يعلق بعد السيف” منجلا: سيختارونه من ثعالب الجيل الجديد, وأرى البعض يستعد فسبق إلى تكوين حزب اللادين ولا ملة.
فإذا تكلمت على اليسار كان على يسار كل يسار وإذا تكلمت على اليمين كان على يمين كل يمين فهو يعلف من كل المخالي يشاطي ويباطي ولا يبالي.
فهو يدغدع أوهام حلم سريالي لظنه أنه عبقرية زمانه ويظن أنه يتميز عن الشعب بدم احمر كما كان بورقيبة يظن أنه يتميز على الشعب بعيون زرقاء.
والمعلوم أن هذا من علامات مركب النقص عند صاحبه بل هو من صفات المستعمرين ذهنيا: يستمد منزلته من شبه عضوي مع سيده. هل بعد هذا يوجد درك خلقي أسفل؟