كمال الشارني
عن معنى الوطنية: خدعة اخترعتها الحكومة لكي يحارب الجنود مجانا ؟
في كل الدول الحرة التي تعتبر أنموذجا يحتذى في الرقي الإنساني والحكم الرشيد، حيث الظلم والفساد يقاربان مستوى الصفر، لا تسمع كلمة الوطنية أصلا، إن تهمة “غير وطني” مثلا، لا وجود لها في لغات أغلب الدول المتحضرة، يمكن أن تجد لها مرادفات تعني همجي، يرمي فضلاته في الشارع، لا يدفع ضرائبه، وقال لي مرة صديق تونسي يعيش في النرويج إن غير الوطني هو الذي يضع سيارته في الأماكن المخصصة للمعاقين،
وفي سويسرا، التي تعد ثلاث لغات رسمية وسبع دول متحدة في فيدرالية يعتبر عدم احترام الصف شيئا أفظع من خيانة الوطن، وفي بعض الكانتونات السويسرية يعتبر قتل إوزة برية على وجه الخطإ جريمة فيدرالية ضد الوطن،
أما الوطنية والأغاني الحماسية والاحتيال السياسي باسم الوطن، فهو خدعة عربية بامتياز، تذكرني بما كتبه الكولمبي الفذ غبريال غارسيا ماركيز لخص حالة الوطنية العصابية الخرافية في أمريكا اللاتينية في روايته “El otoño del patriarca”، (خريف الباتريارش أو البطريق)، التي أبدع صالح علماني في ترجمتها إلى العربية، حين يقول على لسان الجنرال الطاغية الحاكم الأزلي الذي يحدث العاهرة أمه التي جعل منها الأم القومية للوطن: “أماه، إن الوطن هو أفضل الاختراعات”، يضيف ماركيز في مكان آخر من الرواية: “الوطنية لم تكن سوى خدعة اخترعتها الحكومة لكي يحارب الجنود مجانا”، كما لو كان يتحدث عن العالم العربي لما بعد روايته، حيث لا معنى للوطنية إلا استمرار الحاكم في الحكم.