التفاوت في رواية الحديث
الحبيب حمام
أبو بكر الصديق كان أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله، ولكنه روى عددا قليلا من الأحاديث لسببين:
1. لأنه عاش سنتين ونصف بعد وفاة رسول الله، ورواية الحديث تكون بعد وفاة من يروى عنه، صلى الله عليه وسلم.
2. لم تكن له حلقة تدريس للحديث لأنه كان مشغولا بسياسة الناس وبشؤون الدولة.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان من الأوائل الذين أسلموا ولم يرو كثيرا من الأحاديث، رغم أنه عاش 29 سنة بعد وفاة رسول الله، وتوفي سنة 40 هـ. لم يتفرغ للتدريس، وانشغل بالوزارة وبالقضاء وبشؤون الدولة، وكان ينوب عمر بن الخطاب في غيابه (عندما تغيّب شهورا لفتح إيلياء، يعني القدس، مثلا)، ثم كان خليفة لمدة 7 سنوات، حيث كثرت الفتن والمشاغل.
الأرقم بن أبي الأرقم كان سابع من أسلم، وعمّر طويلا، ومات سنة 55 هـ، يعني 44 سنة بعد وفاة رسول الله. لم يرو كثيرا من الأحاديث، لأنه لم تكن له حلقة تدريس، وتلاميذ يروون عنه. مثله سعد بن أبي وقاص. هو من صلى على الأرقم، ومات بعده بشهور. كان من الأوائل الذين أسلموا، وكان من أقارب الرسول وملاصقا له. لم تكن له حلقة تدريس.
عبد الله بن العباس كانت له حلقة تدريس، وكذلك عبد الله بن عمر. وتلاميذهما لم يتعدوا الـ 400 تلميذا. أبو هريرة كانت حلقته يرتادها تلاميذ بمعدل 800، وهذا ما جعل رواياته تنتشر. عاش أقل من 3 سنوات مع رسول الله. معظم الأحاديث كانت في آخر حياة الرسول، حيث كانت تُعلم حياته يوما بيوم في السنة الأخيرة، وساعة بساعة في الأسابيع الأخيرة. أم المؤمنين عائشة عمّرت بعد رسول الله، وطبيعي أنها تروي كثيرا من الأحاديث، خصوصا ما اتصل بالنساء، وبحياتها الزوجية مع سيد الخلق.
في الفترة المكية كانت الأحاديث شحيحة، بحيث يستوى من أسلم سنة 1 للهجرة أو من أسلم سنة 10 في رواية الحديث. مثلا، هناك ما يقارب 8 روايات في تحديد سنة الاسراء والمعراج، من 1 للبعثة إلى 12 للبعثة. هذا تحديد السنة! فما بالك بألفاظ حديث؟ لم تكن هناك دقة. فصّلت في هذا في حلقات السيرة على اليوتيوب. كان الاهتمام بالقرآن، وكان المسلمون في فترة اضطهاد، وكان الهمّ الأول هو البقاء على الحياة وتبليغ القرآن للناس. في فترة الهجرة بدأ الاستقرار، وعظمت مكانة الرسول بين العرب، وأصبح الصحابة يهتمون بحفظ ما يقول، زيادة على القرآن، وأصبح كلامه يُحسب على كل الأمّة لأنه قائدها، وأصبح يتكلم في شأن الروم والفرس واليمن، وكل كلمة لها حساب. زاد الاهتمام بالرسول وكلماته وأفعاله وصمته وهيئته إلى أن أصبح الرجل الوحيد في تاريخ الإنسانية جمعاء، من يوم آدم إلى آخر أيام أوباما في الحكم، الذي تعرف عنه دقائق حياته ساعة بساعة، وألفاظه حرفا بحرف. ولم يتوفر هذا لأوباما رغم وجود آلات التسجيل، 15 قرنا بعد رسول الله.