من محنة الإستبداد إلى محنة التّيه
منجي الصيد حالة
انتهى انطوائيا متوجسا من الجميع ولا يثق بأحد سواء من أقرب الناس إليه في البيت أو من شركائه في الانتماء… انتهى في عزلة قهرية ببيته حيث يقيم منفردا لا يخرج إلا لاشتراء خبزة ثم يعود إلى عزلته بعد أن اضطرت زوجته للإقامة عند أهلها للمعالجة من مرض خبيث أصابها.
منجي الصيد من مواليد 1963 بمدنين وهو من الذين انتموا للحركة الإسلامية وناضلوا فيها حتى اضطرته القبضة الاستبدادية إلى مغادرة البلاد بداية التسعينات، دخل السودان فسوريا وانتهى لاجئا سياسيا بهولندا.. في 2009 قرر العودة إلى تونس وظل ملاحقا تترصده أعين الأمن تُحصي عليه حركاته وخطواته.. ظل مسكونا بالخوف والقلق والفراغ رغم زواجه الذي بحث فيه عن بعض السكينة والاطمئنان.
بعد 2011 استجمع أحلامه المبددة واستعاد عنفوان أمله في دولة الحرية والعدالة وانطلق في حيوية مسخرا نفسه وسيارته في خدمة “المشروع” الذي حلم به فتحرك في أهم المناسبات السياسية والانتخابية يدعم حركته التي اختار الانتماء إليها.
لماذا انهار منجي الصيد منذ مدة نفسيا وجسديا وذهنيا؟ لماذا فقد حيويته ورغبته في الانتصار لمستقبل كم ظل يحلم به؟ لماذا انتهت رحلة منجي الصيد النضالية إلى حالة من الإحباط والخوف والشك في كل ما حوله؟ لماذا خسر منجي الصيد نفسه وانتهى حالة عصبية بمستشفى الرازي؟
صبيحة الأربعاء 26 أكتوبر 2016 عثر بعض المارة على منجي الصيد ملقى في أحد شوارع المحمدية حيث يسكن وهو في حالة نفسية وصحية سيئة للغاية فاتصلوا ببعض أصدقائه الذين أخذوه إلى مركز الأمن بالمحمدية الجنوبية على اعتباره حالة “مستعصية” وقد تكون مصدر أذى.
تأخر وصول الحماية المدنية وتأخر طلب إذن وكيل الجمهورية وغاب حضور أصدقائه ورفاق مسيرته إلى حدود السابعة مساء حين تدخل بعض الأشخاص ليتم نقله إلى مستشفى الرازي.
لسنا بصدد قصة خيالية ولا بصدد صياغةِ دراما افتراضية، إننا بصدد حقيقة مؤلمة وبصدد تجربة حقيقية لشخصية تونسية أصيلة اختارت أن تناضل من أجل الحرية والكرامة والعدالة ثم انتهت حالة مرضية يدمرها اليأس والقلق والفراغ. لقد انتهى منجي الصيد إلى حالة من الفشل فلم ينجح لا في بناء أسرة ولا في بناء وطن… انتهى منجي الصيد في مستشفى الرازي بلا أهل ولا زوجة ولا أولاد ولا أصدقاء ولا أمل.
ربما احتجنا ترجمة فلسفية لما كان يصرخ به طيلة هذا اليوم من “قول” يعتبره كثير ممن سمعه “خروجا عن المنطق” ونعتبره “صِياغة لغُصّة الرجال”.