المتآمر الأول على العرب هم العرب أنفسهم
أبو يعرب المرزوقي
من المبالغة في انكار أن الكثير من أجوار العرب يحاولون المس بأمنهم والتآمر عليهم : فهذه حقيقة. لكني أعتقد بوجود حقيقة أهم منها. المتآمر الأول على العرب هم العرب أنفسهم.
وهذا التآمر يكون أحيانا بإيعاز من الغير ويكون أحيانا كثيرة بسبب ما يشبه النكوص إلى الجاهلية العربية وغالبا ما تكون بسبب قصر النظر لانها مؤامرات نهايتها وخيمة على اصحابها أكثر منها على من استهدفوه بها.
فهي أشبه بألاعيب الأخوة من امهات ضرائر يكيدون بعضهم للبعض بإيعاز من أمهاتهم وبعقلية صراع الضرائر الغافلات عما يتعدى ترضية التجمل لدى الرب المباشر.
وهذا التآمر يوجد في كل قطر على حدة ثم بين الأقطار المتجاورة في المجموعات العربية المعروفة (الخليج المغرب إلخ…) والآن الثورة المضادة ضد الثورة.
ومعنى ذلك أن كل بلد عربي يعيش حربا أهلية باردة في الداخل وحرب أهلية سخنة مع أجواره العرب تلهيه فتنسيه مؤامرات الأعداء في الإقليم وفي العالم.
فالمعركة بين البعثين (سوريا والعراق) ثم بينهما وبين القوميين (الناصرية ثم القذافية) والمعركة بين الجزائر والمغرب أمثلة غنية عن مزيد التوضيح والتحليل.
والمعركة بين الانظمة العسكرية التي تدعي التحديث والأنظمة القبلية التي تدعي التأصيل قد قضت على العراق ثم مصر ثم تعمقت المعركة ضد الثورة.
وما أظن أي عدو بحاجة لجهد حينئذ حتى يحقق كل أهدافه بأيد عربية إذ يكفيه أن يلعب لعية الانحياز لهذا أو ذاك بالتداول حتى يجعلهم خاتما في أصبعه.
ولما كان من شيم العرب الشماتة وخاصة في الأقربين فإن الوضع العربي الحالي لا يمكن إلا أن يكون أضحوكة العالم: عادت العرب لجاهليتها وتفوقت عليها.
وكنت دائما أعجب من تدايك حكام العرب بعضهم على البعض وانتفاشهم في لقاءات القمة لكأنهم أباطرة وهم أذل خلق الله أمام أدنى موظف بخارجية أي عدو.
فمصائب الأنظمة العسكرية -الانقلابات- التي تجعل الحكم لا هم له إلا حماية نفسه على حساب شعبه ووطنه عم فشمل بقية الأنظمة: هشاشة بنيوية داخلية لكل الأنظمة العربية.
وفي العالم كله الصراعات مع الأعداء تقوي اللحمة الداخلية للجماعة إلا عند العرب فهي تسهل على الأعداء الاختراق لاستغلالهم صراعهم على الحكم.
لست أدري من أين ورث العرب هذه العاهة التي يريد فيها الواحد منهم أن يحكم ولو على مزبلة مقابل أن يكون مجرد غفير عن سيد أجنبي لا يفضحه ما ظل راضيا على خدماته.
لم أجد طريقة أخرى لفهم هشاشة أمة أمدها الله بكل اسباب القوة الروحية والمادية: فالإسلام أسمى الأديان وداره أثرى الديار. فما علة وهن أهله ؟
لم أقل هذا لأبريء المتآمرين الأجانب. ذلك أن التنافس بين الأمم والعلاقات الدولية قانونها هو قانون التاريخ الطبيعي ولا معنى لاستنكار وجوده.
إنما فعلت ذلك لأني أومن بأن الجسد الذي يفقد مناعته الذاتية هو المسؤول عن فاعلية الجراثيم. فلو كان للبدن مناعة لكان قادرا على هزيمتها بيسر.
التآمر على الذات قطريا ووطنيا ثم الثورة المضادة التي مولت أعداء الأمة والتي بدأت ترى أنها هي العدو وليس من حاربتهم بهم أضعف مناعة الأمة.
وما كنت لأقول هذا الكلام لو كنت أعتقد أن الفوت قد فات: فما يزال للأمة عديد الفرص للتدارك. وضرب الكعبة فرصة إذا وجدت عقولا تحسن الاستفادة.
ولو طبقوا استراتيجية الحرب الخاطفة على معاقل الحوثيين قبل قضاء أكثر من سنة في تعقبهم خلال كل اليمن لما حصل ما يحصل الآن. لكنهم لا يقرأون.
كم شرحت لهم أن الحرب في اليمن حربان:
1. حرب حدود السعودية ضد جرثومة مجانسة لحزب الله هدفها المناوشة الدائمة للاستنزاف و
2. حرب الشرعية.
وكان ينبغي أن تكون 2 غطاء دبلوماسيا لـ1 التي هي الأهم وترك الثانية تأخذ مجراها البطيء والاكتفاء بالحصارالبحري والجوي لتنمو المقاومة اليمنية.
لما سمعت أحد المعلقين وهو ذو رتبة كبيرة يشرح الاستراتيجيا فهمت أنه يقرأ كتابا في الحرب دون فهم ولا حصافة. فتأكدت بأن ما يحدث الآن سيحدث.
كيف يمكن أن تربح حربا إذا تركت أهم مراكز اليمن خارج سلطانك: العاصمة مع تآمر بعض الحلفاء على تعز عاصمة اليمن الثقافية حربا على الأخوان؟
كيف يمكن أن تربح حربا في شعب قبلي ولم تعمل بمنطق القبائل: استمالة شيوخها الذين كانوا ولا يزالون عبدة العجل الذهبي والمصلحة العاجلة؟
في العادة المتآمرون دهاة. لكن يوجد تآمر من مناقض يمكن تسميتهم تآمر الغباة : كل خططهم ترتد عليهم لأنها ليست بنت فكر بل بنت انتقام بدائي من الأقربين.
إنها من الجنس ثأر البداوة التي نعلم المنزلة التي يضعهم إليها القرآن الكريم تحت مسمى الأعراب : فهل لم نخرج بعد من هذه الحالة أم أننا لسنا مسلمين إلا في الظاهر ؟
هل يمكن لتوني بلار وصبيانه أن يلعبوا بغير عقول البعض لو لم يكونوا قد وجدو أن الكثير من العرب ما يزالون كما كانوا لما تلاعب بهم لاورنس العرب وصبيانه؟