عبد الحميد الجلاصي
1. حضرت يوم السبت 22 اكتوبر 2016 التظاهرة التي نظمتها عمادة المهندسين التونسيين في قصر الموتمرات تحت شعار “المهندس أمل تونس”.
الحضور كان مكثفا، من كل أنحاء البلاد، تجاوز حسب المنظمين الخمسة آلاف.
المناخات كانت للفرحة، وللغضب ايضا.
كلمة السيد العميد كانت شاملة، فشخصت وضع القطاع بالتفاصيل والأرقام والمقارنات، ورسمت سبل الإصلاح وأعطت رسائل واضحة: “لا مجال لأن تدار الحوارات الوطنية والاستشارات القطاعية التنموية مستقبلا بمعزل عن المهندسين وعمادتهم”.
التقط المهندس علي لعريض الرسالة فترجمها بلغته: المهندسون قادمون.
العميد وجه رسالة عنوانها الغضب العاقل.
قد يكون هذا الحدث عابرا، وقد ينبيء بميلاد قطاع وعمادة وعميد.
2. أجيال ثلاثة عمرت القاعة :
– جيل الرواد، بعضه فهم حجم التغيير الحاصل في البلاد، فتأقلم معه، والبعض الاخر لم يفهم شيئا، فبقي في لغته القديمة، وربما عقليته القديمة.
– جيل الوسط، هو مثل نشاهد في الحياة العامة في البلاد، جيل ثمانينات الجامعة التونسية وبعيدها. زاوج بين الاهتمام بالدراسة والبحث، والاهتمام النضالي بالشأن العام. وجد في الثورة حلما كان يراوده، بل يعمل من اجله، فانخرط جنديا في جيش حضرتها.
– جيل الشباب من المتخرجين حديثا ومن طلبة الهندسة، يعيش بين احلام الثورة والرغبة في الإبداع بعد ان انفتحت امام اعينه تجارب النجاح في العالم، وبين صعوبات الواقع، من غياب الحد الأدنى من مستلزمات التكوين المناسب، الى ضعف فرص التشغيل وهشاشتها.
القاعة غصت بالحضور ففاض خارجها.
3. السمت الشبابي -الذكوري والأنثوي بِما يقارب التناصف- كان هو الطاغي في الحضور والتنظيم والتقديم، فأضفى مسحة طلابية على اجواء التظاهرة.
التضامن الفئوي كان بارزا وشحنه استشهاد العميد بهذه المقولة للمهندس المجري “ثيودور فان كرمن”: “العلماء يكتشفون العالم الموجود، والمهندسون يبدعون العالم الذي لم يوجد قط”.
4. السيد ممثل رئيس الحكومة وجد صعوبة في التفاعل مع القاعة الغاضبة، لغياب السيد الشاهد.
5. بعض الأرقام التي قدمت كانت مفاجئة، وبعضها مفزع :
– القطاع يضم 70 الف مهندس، من بينهم 55 الفا مسجلون في سجلات العمادة.
– يتخرج من مدارس الهندسة سنويا 8500 مهندس.
– يوجد اكثر من 4500 مهندس عاطل عن العمل.
6. كلمة المهندس حمادي الجبالي -التي ألقيت نيابة عنه- كانت اكثر كلمة أكدت على الإسهام السياسي للقطاع في مقاومة الاستبداد وفي الحفاظ على مكتسبات الثورة.
7. وانا أغادر القاعة راودتني هذه الخواطر :
– الوضع الديموقراطي هو فن إدارة المصالح المختلفة وحتى المتصارعة بطريقة سلمية.
– القيادات القطاعية الناجحة هي التي تفلح في بلورة مطالب قطاعاتها والدفاع عنها بطريقة عقلانية ضمن المصلحة العليا للاوطان.
– لن تحتكر الاحزاب السياسية مستقبلا مجال إفراز قيادات البلاد. إذ سيكون للقطاعات المهنية، ولفضاءات المجتمع المدني، وللمبادرات الاقتصادية الناجحة، دور هام في ذلك.
– و لا يستبعد الاستثمار السياسي في المواقع الاولى في الدولة لشخصيات شبابية اثبتت اقتدارا في قيادة فئات او مجالات مهمة.
– هذا يتطلب تغييرا في فهمنا للسياسي، ويفتح اعين الشباب على فرص ومجالات لم تستكشف من قبل.