قراءة نقدية في الفتوحات الإسلامية
الحبيب حمام
الإسلام أنار وجه الأرض في القرن السابع الميلادي، وغيّر مجرى التاريخ، وانتفعت بها الأمة أيّما انتفاع إلى يوم الناس هذا. الحكم بين المسلمين لم يكن في مستوى أخلاق عامة المسلمين. ككل الأمم الأخرى كان الاستبداد والقتل مستشريا للحفاظ على السلطان ولتوارثه بين الحكام. منذ عهد الصحابة قامت حروب طاحنة، لم تكن لتقع لو كانت هناك ديموقراطية وانتخابات وتداول سلمي على السلطة. إذا تقابل جيشان من الصحابة والتابعين، أحدهما تعداده 90 ألفا والثاني تعداده 120 ألفا، وسقط من الضحايا عشرات الآلاف فمن العبث القول أن كليهما على حق، وأن المسألة مجرّد فتنة. خروج الجيشين من مساكنهما خطأ، ناهيك عن اقتتالهما.
الفتوحات الإسلامية كانت مبررة الدوافع في غالبيتها الساحقة. فالمسلمون لم يقاتلوا سكان الأرض الأصليين إلا من كان في جيش الغزاة. فالفتوحات في الشام كانت لمقاتلة الروم الذين هم غزاة في أرض عربية. والفتوحات في العراق والحيرة كانت ضد الفرس الذين استعمروا كل العراق وبنوا عاصمتهم المدائن فيها. والفتوحات في مصر لم تكن ضد الأقباط بل ضد الروم. والفتوحات في شمال إفريقيا لم تكن ضد البربر بل ضد الروم. أول معركة كبرى كانت في سبيطلة في سنة 26 هـ ضد 100 ألف من جيش الروم بقيادة جرجير الرومي. سُميت هذه المعركة بواقعة العبادلة السبع. فتح الأندلس كان بطلب ملك سبتة الأندلسي الذي زوّد طارق بن زياد بالسفن، وتعاقد معه على تحرير أهله وضياعهم التي افتكها الإنقلابي رودريغوس القوطي. والمعارك في الأندلس كانت ضد القوط الغزاة القادمين من ألمانيا، بطلب من سكان الأندلس.
ما هي النتيجة؟ سقطت الأندلس بعد معارك متواصلة بين المسلمين وغير المسلمين دامت 8 قرون. قضي على الإسلام بتاتا، وكانت مذابح الموريسكيين الفضيعة. وقعت تصفية كاملة للمسلمين عربا وبربرا وإسبانا. ما هي المشكلة؟ لماذا لم يبق المسلمون في الأندلس إلى اليوم؟ لكي نجيب على هذا السؤال دعونا نرى أولا ما وقع في أندنوسيا وماليزيا وروسيا.
دخل الإسلام أندنوسيا وماليزيا عن طريق التجار. انتشر الإسلام في روسيا عن طريق الماغول بعدما أسلم ابن هولاكو، واستقرّ أمر المسلمين. من كان يحكم أندنوسيا؟ أندونيسي مسلما كان أو غير مسلم. انتشر الإسلام في أندونيسيا عن طريق الدعوة. وكذلك الحال في ماليزيا وروسيا. هل وقع اقتتال على الحكم في هذه البلدان؟ طبعا ككل البلدان الأخرى، ولكن لا دخل للإسلام فيها، والحاكمون لم يكونوا عربا بل من سكان البلاد نفسها، والاقتتال على السلطة كان بينهم. أصبح الإسلام جزءً من النسيج الإجتماعي، ولم يدخل طاحونة الحكم القاتلة. لم تقع حروب في أندونيسيا بين سكان أندونيسيا والقادمين الجدد بأسماء جديدة وبشرات جديدة وبملابس جديدة وعمامات لم يكونوا يعرفونها. المسلمون كانوا جزءً من المجتمع لا يختلفون عنه في شيء إلا بالإعتقاد وهو عمل قلبي ولا يضر بنظام الحكم. ولذلك لا أنصح بلبس القميص في البلاد التي لا تعرف القميص.
في الأندلس كانت الحروب دائرة بين المسلمين والقشتاليين أو الليونيين، ثم بعدها عندما تكونت إسبانيا والبرتغال كانت الحروب بين المسلمين والبرتغاليين والإسبان، زيادة على الحروب بين المسلمين. من حكمَ الأندلس؟ حكمَها عرب بني أمية لمدة 3 قرون، ثم تفرق الحكم بين من هم ليسوا إسبانا قحّا لمُدة 5 قرون. من الطبيعي أن تقع الحروب وسكان البلاد معفيون من الحكم. لماذا سقطت الأندلس ولم تسقط شمال إفريقيا؟ لسبب بسيط لأن البربر افتكوا الحكم بعد إسلامهم وهم السكان الأصليون. افتك المرابطون الحكم في المغرب وموريطانيا وجزء من الجزائر، وافتك الصنهاجيون الحكم في تونس وليبيا وجزء من الجزائر. صحيح لم تنته المعارك ولكن ظلت معارك بين سكان البلاد أنفسهم وكلهم مسلمون. مثلا، أسقط الموحدون، وهم بربر، المرابطين، وهم بربر. وحكموا الأندلس، ولكن سقطوا تحت ضربات القشتاليين.
الخلاصة: الفتوحات بالدعوة، كما في الحجاز وأندنوسيا وماليزيا، كانت الأكثر استقرارا. الفتوحات بالسيف التي تبعها حكم السكان الأصليين، كما في شمال إفريقيا، كانت أقل استقرارا. الفتوحات بالسيف التي تبعها حكم غير السكان الأصليين، كما في الأندلس، مزقتها الحروب حتى سقط حكم المسلمين، واستشرت فيهم المذابح. كانت هذه تذكرة صباحية وأسعد الله يومكم.