حقائق خطيرة حول علاقة اتحاد الصناعة والتجارة بعملية تدمير النسيج الإقتصادي
واصلت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات فتح ملف اتحاد الصناعة والتجارة وواصلت البحث في تاريخ هذه المنظمة العريقة في محاولة لفهمها وفهم ظروف وأطوار نشأتها والمحطات الكبرى التي مرت بها والأدوار التي لعبتها وقامت بها في علاقتها بالدولة وبناء الاقتصاد الوطني وإنشاء المؤسسات وتطوير الاستثمارات الخاصة وما يترتب عليها من عضد جهد الحكومات في تحقيق التنمية المرجوة وخلق مواطن شغل والتقليص من حدة البطالة.
فبعد الندوة الاولى التي خصصتها المؤسسة لنشأة الاتحاد وظروف التكوين كان اللقاء الثاني صبيحة يوم السبت 22 اكتوبر الجاري للتوسع أكثر في موضوع اتحاد الأعراف وللحديث عن الأخطاء التي حصلت معه قبل الثورة والدور الذي لعبه في تطبيق سياسة الاتحاد الاوروبي في موضوع الشراكة واتفاقية التبادل الحر التي أضرت كثيرا بالصناعات التونسية والاخلالات التي ارتكبت في تسيير المنظمة والسياسة التحررية الليبرالية التي انتهجتها وتداعياتها على الاقتصاد التونسي.
في هذه الندوة التي أثثها الخبير الاقتصادي جمال الدين العويديدي قيل الكثير من الكلام الخطير حول علاقة إتحاد الاعراف بالسياسة التي كان يتبعها النظام القديم وفي الدور الذي قام به في تسهيل عملية الدمج التي حصلت في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي بين الاقتصاد التونسي و الاقتصاديات الأوربية وما تبع ذلك من إغلاق الكثير من الشركات والمصانع الاقتصادية التي لم تقدر على المنافسة التي فرضت عليها من قبل الشركات الأجنبية التي خول لها اتفاق الشراكة أن تنتصب في بلادنا وتسريح الكثير من العمال بعد أن اضطرت المؤسسات التي كانت تشغلهم أن تغلق أبوابها جراء ظهور فئة مهيمنة من رؤوس الاموال وأصحاب الشركات الكبرى.
وإذا تجاوزنا كل ما قيل عن الإخلالات الهيكلية والتنظيمية والمالية التي قامت منظمة الأعراف خلال فترة طويلة من عملها وخاصة فترة ما قبل الثورة وهي مسائل وصلت اليوم الي القضاء بعد أن أوضح التدقيق الذي أجرى للمنظمة بعد الثورة بأن هناك فساد مالي يحتاج الي محاسبة فإن الامر الخطير الذي وقفنا عليه في هذه الندوة والذي تحدث عنه جمال الدين العويديدي بكثير من الألم هو أن اتحاد الاعراف قد تخلي عن دوره الذي عهد له وعن الهدف الذي من أجله بعث تخلى عن دوره في تحقيق التقدم والرفاهية والأمن للأطراف المساهمة في النشاط الاقتصادي في إطار السياسة الوطنية للتنمية وتخلي عن دوره في حماية المؤسسات الوطنية التي تخلق الثروة وتوفر مواطن الشغل وتنخرط في سياسة الدولة التنموية تخلي عن هذه الادوار لصالح أقلية تملك المال ونافذة في البلاد وتعمل على تحقيق المنافع الشخصية لا غير وهذه الأقلية المهيمنة ماليا والتي وصفها بالأوليغرشية تمكنت بفضل الحماية التي وفرها لها الاتحاد من أن تكون نافذة في السلطة ومؤثرة في الحكم وموجهة لخيارات الدولة وهي مجموعات صغيرة مالكة للشركات والمؤسسات الكبرى حولت الاتحاد من منظمة كل الصناعيين والحرفيين وأصحاب الشركات الي نادي للأغنياء وجراء هذا التحول والانحراف عن أهداف اتحاد الاعراف تمت محاصرة المؤسسات الصغرى والمتوسطة وإجبار الكثير منها على الإغلاق وتحويل نشاطها لصالح هؤلاء النافذين اللذين هيمنوا على السوق التونسية.
ما حصل هو أنه جراء السياسة التي اتبعها الاتحاد تم تدمير كل النسيج الاقتصادي القائم على المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتي كانت تشغل الآلاف من العمال الذين اضطر الكثير مهم إلي الدخول في بطالة قسرية بعد أن أجبر الكثير من الصناعيين علي غلق مؤسساتهم ومعاملهم لعدم قدرتهم على منافسة أصحاب المؤسسات الكبرى الذين أصبحوا يستحوذون على كل النشاط الاقتصادي وزاد الامر استفحالا حينما سكت الاتحاد عن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي التي تقضي بالسماح للصناعات الاوروبية والمنتوج الأوربي من أن يدخل بلادنا ويستقر بها رغم أن البنك الدولي قد قام سنة 1994 بعد دراسة أعدها حول تأثير اتفاق الشراكة مع الاتحاد الاوروبي بالتنبيه إلي خطورة الاندماج اللاعقلاني في نظام العولمة والانخراط في السوق الاوروبية على النسيج الصناعي الوطي وحذر من الانعكاسات السلبية على العمال وسوق الشغل وهذا فعلا ما حصل حيث نتج عن اتفاقية الشركة مع الاتحاد الاوروبي غلق 48% من المؤسسات الصناعية التونسية لعدم قدرتها على الصمود ومنافسة المؤسسات الأوروبية المنتصبة وعدم قدرتها على مجاراة نسق إغراق السوق بالمنتجات المستوردة وعرف الكثير من العمال البطالة بعد أن أغلقت هذه المؤسسات وهو تحذير لم يهتم له اتحاد الاعراف وواصل في سياسة الخوصصة والانفتاح والعولمة غير عابئ بمخاطر كل ذلك على النسيج الصناعي الوطني.
والغريب في الأمر أن هذه السياسة المتبعة وهذا النهج الذي سار عليه اتحاد الاعراف تواصل بعد الثورة وهو استراتيجية تقوم على احتكار الصناعة والتجارة وخلق الثروة من طرف عائلات معينة وأسماء بعينها استغلت الاتحاد لتدمير كل النسيج الاقتصادي من المؤسسات الصغرى والمتوسطة واحتكار السوق لوحدها ومن مظاهر تواصل هذه العقلية الخطيرة إغراق السوق التونسية بعد الثورة وحتى في ظل الحكومة الحالية بمنتجات مستوردة وفتح فضاءات تجارية وعلامات تجارية لمؤسسات أجنبية في الوقت الذي تعرف فيه البلاد ضائقة مالية وتشكو قلة السيولة المالية وتقلص المخزون من العملة الصعبة وهو توجه خطير يهدد المالية العمومية بمزيد من العجز ويجبر المؤسسات الصناعية المحلية على الغلق لعدم قدرتها على المنافسة مع الشركات الأوروبية والزاحفة والوافدة.
ما يحصل اليوم في القطاع الخاص الصناعي وما يحصل للاقتصاد التونسي والمؤسسات الوطنية هو أمر خطير يطرح الكثير من الأسئلة حول علاقة اتحاد الأعراف بسياسة التدمير والإفلاس التي خضعت لها مؤسساتنا الوطنية ويطرح السؤال الأهم وهو هل ما زالت هناك مكانة لاتحاد الأعراف بعد أن تحول الي نادي للأغنياء وأصحاب النفوذ المالي ؟