رشيد الخيُّون
وجدت تبادلاً في الكلام، على مواقع التواصل الاجتماعي، عن العبارة الشهيرة “يا أهل العراق يا أهل الشِّقاق والنِّفاق”، مَن قائلها، وهل وردت بهذه الصياغة؟ أم حصل تحريف فيها مِن قِبل الرواة والإخباريين، وكل يدلو بدلوه.
افترق أهل المعرفة تجاه العراقيين إلى فريقين، نسب المحبون “يا أهل العراق أهل الشقاق والنفاق” إلى الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95هـ)، بينما نسبها المغرضون أو غير العارفين بالتاريخ إلى الإمام علي بن أبي طالب (اغتيل 40هـ) ذلك لتأصيلها وتعميمها فربما العراقي حباً بعلي يرضى بهذا الوصف. أما عبد الله بن الزبير (قُتل 73هـ) وهو قائلها الحقيقي فلا يذكره أحد، وكي لا يختم العراقيون بخاتم الشقاق والنفاق في كل الدهور نتحرى أصل العبارة، لتعود لقائلها الأصل عبد الله بن الزُّبير.
ذم عليٌّ أهل البصرة، ولم يصفهم على العموم بأهل الشقاق والنفاق. وخصهم بعبارة: “عهدكم شقاق ودينكم نفاق”. ورد اسم العراق في خطبه أربع مرات، واحدة ينتقد فيها قريبه الزبير بن العوام (قُتل 36هـ)، والثانية شبه العراقيين في جيشه بالمرأة الحامل، والثالثة وصف بني إسرائيل وأربابهم من قياصرة وأكاسرة واجتيازهم لبحر العراق، والرابعة وردت مدحاً لا ذماً “ليس أهل الشام بأحرص على الدنيا من أهل العراق على الآخرة” (نهج البلاغة).
وردت عبارة “شقاق ونفاق أهل العراق” أول ما وردت على لسان ابن الزبير عقب مقتل أخيه مصعب (71 أو 72هـ) واليه على العراق. قال: “ألا إن أهل العراق أهل الشقاق والنفاق باعوه (مصعب) بأقل ثمن كانوا يأخذونه به” (ابن قتيبة، عيون الأخبار).
أما الحجاج فقالها بعد أن تناقل العراقيون نبأ وفاته، وهو في الحياة، بالعبارة: “إن طائفة من أهل العراق، أهل الشقاق والنفاق، نزع الشيطان بينهم، فقالوا مات الحجاج! فَمْه! وهل يرجو الحجاج الخير إلا بعد الموت!” (عيون الأخبار)، ولم يعمم الحجاج بكلمته أهل العراق كافة بل قال “طائفة”. أقول: ليس هناك شعب أو بلد لم يُثلب، لسبب أو آخر، وليس العراق وأهله فقط.