المديونية التونسية وتركيبتها الهيكلية
مشكلة المديونية التونسية ليس فقط في حجمها والذي يمكن التعامل معه متى عادت نسبة النمو الى مستوى محترم ومتى تمّ توسيع القاعدة الضريبية ومحاربة الفساد والتهرّب الضريبي،
ولكن مشكلها الأكثر خطورة هو في تركيبتها الهيكلية وذلك على مستويين:
1. المستوى الأوّل يكمن في نصيب التداين الداخلي والخارجي من إجمالي المديونية الذي إنخرم فيه التوازن، فالتداين الخارجي يمثل اليوم قرابة 60% والداخلي يمثل 40%، والمطلوب بالنسبة للدول النامية هو عكس الوضعية الحالية في إتجاه الإعتماد أكثر على التداين الداخلي والتقليل في نسبة التداين الخارجي.
ولكن عندما ندقّق في أسباب خيار التداين الخارجي على حساب التداين الداخلي، سنجد أنه ليس مرتبط بحجم الأجور في القطاع العام ولكن بحاجة البنك المركزي المتصاعدة للعملة الصعبة لتلبية وتغطية حاجات التوريد المشط والغير مسؤول في السنوات الأخيرة الذي أصبح يٌحدِثْ مستوى قياسي غير مسبوق في عجز الميزان التجاري،
والمسؤول على ذلك بصفة مباشرة هي منظمة السيدة وداد بوشماوي ولوبيات البيزنس وفروع الـfranchises وسلعها الأجنبية التي غزت السوق وأغرقته،
فالسيدة بوشماوي رفضت مثلا بقوة الإجراءات الوقائية التي أراد إتخاذها وزير التجارة السابق السيد محسن حسن لترشيد التوريد ووضع بعض الحدود للسلع الغير أساسية التي يوفّرها السوق المحلي.
2. المستوى الثاني متعلّق بمصادر تمويل التداين الخارجي الذي تمثل فيه حصة المؤسسات المالية الدولية institutions multilatérales قرابة 50% وهذا يعتبر تهديد للسيادة الوطنية لانّ ذلك يسمح لتلك المؤسسات مثل صندوق النقد الدولي بالتدخل في شؤوننا الداخلية وإملاء إشتراطاتهم في إتجاه مصالح الدول الإمبريالية المتحكمة في ذلك الصندوق وهو ما يحصل حاليا من تدخل في فرض قانون رسملة البنوك العمومية و”إستقلالية” البنك المركزي ومجلة الإستثمار والتقليص في حجم الأجور كما جاء في الميزانية وربما مستقبلا قد يشترطوا تسريح موظفي القطاع العام وخوصصة المؤسسات العمومية على غرار شركة الكهرباء وفسفاط ڤفصة والمجمع الكيميائي والشركة التونسية للبترول، والتخفيض في رواتب المتقاعدين والترفيع في سنّ التقاعد ومزيد فتح السوق التونسية وإزالة ما تبقى من الحواجز الجمركية أمام السلع الأجنبية والسماح للأجانب بتملّك الأراضي الفلاحية…إلخ.
إنّ مصادر التمويل بالنسبة للتداين الخارجي هي ثلاث:
– المؤسسات المالية المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد والبنك الدولي وأذرعه الإقليمية مثل البنك الإفريقي للتنمية.
– الدول الصديقة مباشرة bilaterale عبر صناديق التنمية الحكومية لديها.
– سوق المال.
وحريّ بالحكومة التونسية أن تعمل على تنويع مصادر التمويل الخارجي بتوزيع متوازن بين تلك المصادر الثلاث، حتى وإن كان ذلك فيه تكلفة أكثر كما هو حال قروض سوق المال حاليا نظرا لتدهور الترقيم التونسي لدى مؤسسات الترقيم،
لانّ تنويع المصادر وتوازنها يجعلنا نسترجع السيادة على قراراتنا السياسية والإبقاء على حجم الحرية والمناورة في توجيه إقتصادنا الوطني وفق ما تقتضيه مصالحنا وحاجياتنا وأهداف ثورتنا وليس تلبية لمطامع ومصالح رأس المال الدولي والشركات العابرة للقارات الباحثة على الربح دون سواه غير مكترثة بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للشعوب.
نصيحتي لهاته الحكومة إن مازال فيها من حسّ وطني وبرهة من رجاحة العقل والحكمة أن تتعامل مع هذا الملف بمسؤولية وروح وطنية، لان الوضع خطير جدًّا إذا تواصل على هذا النسق، وأن تبعث مصلحة مستقلة لدى وزارة المالية مختصة حصرًا بالمديونية وجردها والتدقيق فيها وإقتراح الحلول لإعادة التوازن الهيكلي فيها على المستوين المذكورين أعلاه وهذا يتطلّب من الحكومة أن توسّع دائرة تسليط الضوء لتشمل، إظافة للعجز في الميزانية، التركيز ايضا على العجز في الميزان التجاري وميزان الدفعات عبر ترشيد التوريد وتفعيل البنود التي تتيحها قوانين منظمة التجارة العالمية وإتفاقية الشراكة مع الإتحاد الاوروبي عندما يحدث عجز في الميزان التجاري.