كمال الشارني
في قضية الضرائب، لا أحد شيطن المحامين كما يريدون أن يوهمونا، ونحن نحبهم بسبب نضالاتهم في تلك الأيام الحالكة عندما لم تكن هناك قنوات تلفزية حرة للشهرة بل قمع عنيف وكانوا يتطوعون للدفاع عنا ويدفعون لنا من جيوبهم ثمن السجائر وحتى رشاوى السجانين ونحن في السجون، بالنسبة لي، ارتبط اسم أول محام في حياتي برهن المصوغ التاريخي لأمي المتوارث منذ عدة أجيال في القباضة مقابل 750 دينارا عام 1986 (أكثر من 3 آلاف دينار اليوم) أجرة محام لم أره إلا في قاعة الجلسة لثوان التفتُّ فيها إليها لكي أسجل إلى الأبد وجه الابتزاز، تكلم لأقل من ثلاث دقائق ليطلب لي العفو وانصرف طائرا، لم نقدر على دفع الرهنية وضاع مصوغ أمي إلى الأبد، لكني لم أكره المحامين أبدا، أغلب أصدقائي من المحامين، وكانت لدي قناعة أني أستطيع أن أعول على الكثير منهم للتطوع في آخر لحظة دفاعا عن مظلوم بلا مال ولا نصرة،
المحامون ليسوا ملائكة ولا شياطين، وأعرف محامين كثيرين يعيشون على حافة الكفاف معولين على التسخير القضائي، المحاماة مهنة حرة والله لم يخلقنا لكي نكون كلنا محامين ناجحين، كما أعرف محامين يغرفون دون حساب من مال الدولة ومال الفقراء، لن أتحدث عن احتكارات قضايا المؤسسات العمومية والتي يبلغ فيها دخل المحامي مبالغ لا تصدق (لماذا لا يجرب المحامون المطالبة بتكافؤ الفرص في قضايا الدولة ؟)، إنما السمسرة في قضايا حوادث المرور وحدها بؤرة فساد مالي وأخلاقي وقانوني بلا حدود وغير خاضعة للحساب إلا عند الله، تصوروا واحدا يفقد أباه في حادث مرور، فيكون نصيب المحامي من التعويض أكبر من نصيب الأبناء مقابل تقرير كتابي بصفحتين، أو مجموعة نساء يتعرض للطرد من العمل ويعشن الجوع والتشرد والانتظار، ثم يقتسمن بالتساوي مبلغ التعويض مع المحامي،
أن يعتقد بعض المحامين أن تطوع المئات منهم أو حتى نصفهم في قضايا الحريات وتعرضهم للاضطهاد مثل ضحاياهم، يعني أن يتحول ذلك إلى إعفاءات ضريبية قطاعية فهو كلام موحش في حق بقية الشعب، ومن أغرب ما قال الأطباء لتبرير رفضهم لنظام الضريبة حسب الدخل “نحن مهنة إنسانية غير خاضعة للمنطق التجاري”، ملا لعب ؟ ومن أغرب ما سمعت في خطابات المحامين أنهم عرضوا مشروعا ضريبيا “كان سيدرُّ على الدولة مداخيل هامة”، سيدي، من حملك مسؤولية أن “تدرٌّ” على الدولة ؟ ولم أعلم أن المحامين مطالبون بفض مشاكل ميزانية الدولة، فقط أن نخضع جميعا لنفس المنطق الضريبي فقراء وأغنياء، أو أن نمتنع عن الدفع كلنا، كل ما في الأمر أن الدولة تريد أن تعرف ماذا قبض السادة المحامون من مال، وتفرض حقها فيه، والشيطنة لا توجد إلا في عقل من يبحث عن معارك وهمية، أنا استغرب هذا، ممن هو أقرب للحقوق والنضال من غيره، ولن أستغرب ما طالب به أحد النقابيين من أن يقتصر الانتداب في المؤسسة العمومية التي يمثلها على أبناء عمالها، هي مسألة قطاعات، الغريب أن هذا يذكرني بإحدى القضايا التي رفعها الممثل القانوني (محام) لمؤسسة عمومية ذات صبغة تجارية بتهمة “التطاول على مؤسسة عمومية”، وقد متنا بالضحك، أنا ومساعد وكيل الجمهورية وقتها، ليس لأنه صديقي، بل لأن بعض المحامين يشيطنون مهنتهم من تلقاء أنفسهم،