الإستفادة من التجارب الغربية

أحمد القاري

في مثل هذا الوقت من سنة 1992 زرت الدار البيضاء رفقة خالي محمد سالم إنجيه، ونزلنا عند بعض أصدقائه، وهناك شاهدت قناة MBC لأول مرة وكانت تبث في الرباط والدار البيضاء على الموجات الأرضية. وصادف ذلك المساء بثا مباشرا لمناظرة رئاسية بين الرئيس جورج بوش الأب والمرشح الديمقراطي بيل كلينتون والمرشح المستقل روس بيرو.
كانت المناظرة بالنسبة لي شيئا مذهلا. فرئيس الولايات المتحدة يقف مع المرشحين المنافسين على نفس المسرح ويتحدثون ويناقشون على قدم المساواة. كان ذلك شيئا مناقضا تماما لصورة الحاكم كما رسختها الممارسة العربية المعاصرة في ذهني.
ودهشت أيضا لأن بيل كلينتون كان يتحدث، كما بدا لي حينها، بأدب يقترب من حد الخجل. فيما كان الجمهور الحاضر يطرح الأسئلة بكل حرية.
هذا الجانب المدهش من التجربة الأميركية هو أكثر ما كنا نعرفه عنها ونحن نشاهدها عن بعد. وهو يختلط في أذهاننا بالجانب الآخر الذي نكرهه في السياسة الأميركية وهو نزوع هذه الدولة إلى استخدام القوة ضد بلدان عربية متعددة ووقوفها الحاسم إلى جانب إسرائيل ضد فلسطين.
وبدل دراسة التجربة الأميركية والتجارب الغربية في إطارها التاريخي ومحاولة فهم أسباب تفوقها تجد الكثيرين يقبلون فكرة “إنهم ليسوا مثلنا” أو التي تؤدي إلى تفسير القوة الغربية بأنها نتيجة التزام أخلاقي فردي وجماعي مقابل لنكوص أخلاقي فردي وجماعي عندنا. وربما يصل بنا الأمر أحيانا إلى القبول بأن حالة توزيع القوة والضعف في العالم اليوم هي مسألة قدرية ودائمة لا يد لنا فيها.
لكن الحقيقة هي أن التجارب الغربية متعددة ومتنوعة. وأن كل منها يمكن أن تفسر ويستفاد منها. وأنها كما صعدت ستهبط كحال كل إمبراطوريات التاريخ. فهذا قانون لا يحابي ولا يستثني.
ويكفي أن نقارن الإنحدار المريع الذي عرفه الخطاب السياسي في أميركا من خلال مقارنة سلوك وحديث المرشحين الثلاثة في مناظرة من 1992 مع مناظرات هيلاري كلينتون وغريمها دونالد ترامب للتأكد من أن الولايات المتحدة تتحدر من عل.
مناظرة 1992:
https://www.youtube.com/watch?v=Jg9qB_BIjWY

Exit mobile version