كمال الشارني
الهايكا تقر إيقاف “عندي ما نقلك” 3 أشهر: إعادة إنتاج “الكاكا”، حاشاكم، وأن نعمل لها ملاعق أيضا،
أتحسر على زمن التأميم لأجل المصلحة العامة، تأميم هذا البرنامج الغبي، فقد نشأت وجيلي من الصحفيين في التسعينات على شيء قذر بدأ يظهر وقتها في أمريكا اسمه تلفزيون الواقع: تحويل التفاصيل الحميمة للناس البسطاء إلى فرجة مدفوعة الأجر، مع إنفاق مبالغ خيالية لتصوير الخيانة الزوجية وبقية المواقف الدرامية، أخطرها تحويل المحرمات إلى فرجة عاطفية، تحويل اغتصاب الأب لابنته إلى موضوع درامي، اصطناع المشاهد وتزييف الحقائق لصنع فرجة الدموع، فسر النقاد ذلك بحالة الفراغ الثقافي التي أعقبت فترة حكم المحافظين بقيادة رونالد ريغن والخواء الثقافي الأمريكي لفترة ما بعد الحرب الباردة، سماه النقاد وقتها “trash Tv “، بعد أقل من ثلاثة أعوام، انتقلت الظاهرة إلى القنوات الأوروبية بحكم الانبهار والتبعية، إنما كان الأمريكيون قد غسلوا وشللوا الظاهرة وانتهوا منها بخلاصة: “ما أقذر وسائل الإعلام التي تتمعش من أسرار الناس ودموعهم”، ومرّ الأمريكيون للبحث عن مسليات أخرى،
بعد أكثر من ربع قرن من الخمج الأمريكي، يظهر علينا في تونس من يعتقد أنه أعاد اكتشاف (حاشاكم) الكاكا البشرية في التلفزيون وينفق لأجلها مئات الآلاف من الدنانير في وقت التهرب الضرييبي والشح المالي والفقر وعجز المدارس والتأمين على المرض وتفشي البطالة، ويقدمها لكم في طبق رئيس في شكل برنامج تلفزي، يقوده من يعتقد أنه نجم شعبي، يتمعش من تحويل الدموع إلى سبالة أموال،
لو كان ثمة قلب رحيم في هذا البلد، لو كانت هناك ثورة، لتم تأميم البرنامج، بمعداته ومداخيله الطائلة ومداخيل نجومه وزنوسه وتحويلها إلى المدارس الابتدائية، إلى القرى المهمشة منذ الأزل محكومة بالفقر والنزوح، وتحويل العاملين في البرنامج إلى تغطية مآسي الأرياف، حقائق ما حدث في جمنة وغيرها وما سيحدث قريبا في الحوض المنجمي سيدي بوزيد وغيرها، فقدان الماء الصالح للشراب في قرى ولاية جندوبة، حقيقة إنتاج النفط وكلفة نقل الفسفاط…
أوكي أوكي، لا يطلب الإنسان المستحيل، ربما يكون من الأفضل إغلاق الهايكا المزعجة.