بئس التجارة…
بعد الشكوك التي حامت طويلا حول بنود الإتفاق النووي الإيراني، بدأت الصحافة الإيرانية في الإفصاح عن ذلك: مقابل الكف عن كل نشاط يمثل تهديدا نوويا (وبنوده كثيرة) تعامل إيران كجزء من المنظومة العالمية وحتى كدولة صديقة بداية من رفع العقوبات حتى تبرئتها من رعاية الإرهاب (بل تحولها إلى مقاومة للإرهاب) وصولا إلى -الأهم- السماح لإيران بالتحرك بحرية في المنطقة كما في العراق وسوريا ولبنان واليمن دون متابعة قانونية لها ولا لممثليها والميليشيات التي تتبعها…
حينما نطرح للفهم معنى “تخلي عن مشروع نووي” ومعنى “نفوذ في المنطقة” فإن النتائج تكون كالتالي: النووي يعني أن العدو “إسرائيل” وأمريكا ويعني المقاومة للمشروع الصهيو-أمريكي، النفوذ يعني أن العدو هو الجيران العرب المعرفين للأسف كسنة ويعني الفتنة الطائفية بدل المقاومة؛ النووي يعني الثورة التي صفقنا لها طويلا منذ 79 ويعني المبادئ بينما النفوذ يعني الدولة ومنطقها ويعني المصالح القذرة، وهلم جرا…
بالطبع نفهم هنا لم أدارت الولايات المتحدة ظهرها للسعودية وحلفائها القدامى واستعاضت عن ذلك بإيران ونفهم لم صمتت “إسرائيل” (وهي التي كانت تبحث عن تعلة لضرب إيران) وتصمت أمريكا عن كل التحركات لمن كانوا بالأمس القريب موصوفين بالإرهاب مثل قاسم سليماني وتشتغل الميليشات الشيعية في العراق وسوريا تحت إمرة الأمريكان وتمشي على الأرض المبلطة بالطائرات الأمريكية ونفهم لم اشتد ولا يزال يتصاعد أوار الحرب الطائفية… ذلك لأن إيران لم تعد تشكل خطرا استراتيجيا على “إسرائيل” والغرب؛ تمزق الأمة شيعا وطوائف وتزيدها ضعفا على ضعفها؛ تمثل الدور الأمريكي في مقاومة الإرهاب بما لم تستطعه السعودية وغيرها.. أي تشتغل لحساب “العدو” كأفضل ما يكون العميل والخادم.
باعت إيران مشروعها النووي الذي يقطر عزة وكرامة لتشتري أبخس البضاعة: الحرب الطائفية والإجهاز على ما تبقى من أمة منهكة وتأمين مأبد لـ “إسرائيل” وقبل ذلك وبعده رضا أمريكا عنها. حينما نتذكر ما قاله الإمام الخميني في من ترضى عنه أمريكا سنعرف أن إيران بئس ما باعت وبئس ما اشترت وبئس تجارتها وبئس هي منذ اليوم…