النضال أيام الجمر له مذاق خاص !
مختار صادق
النضال أيام الجمر له شكل و مضمون و مذاق خاص! يبدأ التحضير للتحرك قبل أيام أو ربما قبل أسابيع. وتتنوع الأشكال في التحرك بقدر احتقان الوضع السياسي وجرعة الجرأة والرسالة المراد توصيلها من هكذا تحرك. فمثلا عندما كانت كل الفضاءات والفضائيات مغلقة أمام المناضلين يتم اللجو ء للكتابة على الجدران فجرا وقد برع في هذا النوع من التحرك شباب الإتجاه الإسلامي (النهضة) حيث عنصر المباغتة واختيار الأماكن يتم بعناية وتخطيط. أما الخطر الماثل أمام المناضلين فقد يصل إلى إطلاق الرصاص والملاحقة والإعتقال والقضاء على أحلام الشاب بـ”تسويد البطاقة عدد ثلاثة” والسجن ردها من زهرة الشباب وراء القضبان!
أما الإعداد للمسيرات فهو فن يتقنه قليل من المتمرسين في مراوغة البوليس وأعينه المبثوثة في كل مكان. في إحدى الأماكن التي قد لا تكون نائية عن أعين البوليس ولكنها نائية عن إدراكه يقع التحضير لمختلف مراحل المسيرة عند الإنطلاق وعند التفرق. الشعارات وكلمة السر (لعزل البوليس السياسي) والشوارع التي ستنطلق منها المسيرة ثم تتفرع إليها وكل ذلك من التفاصيل التي يتطرق إليها شباب وضعوا أرواحهم على أكفهم هي من الركائز التحضيرية قبل التحرك الميداني. في الأثناء قد تتفطن أعين البلويس قبل أو عند أو بعد تلك المحطات فيقع تتبع “الإرهابيين” وقنصهم بالرصاص إذا لزم الأمر كما وقع للشهيد عثمان بن محمود رحمه الله فجر الثامن عشر من أفريل 1986. في اللحظة الصفر ومن كل الجهات الأربع ينطلق شباب يافع لتكوين نواة المسيرة رافعين شعارات تتحدى السلطة وتعرف بقضيتهم. وفي غير وقت تكبر المسيرة بشكل لافت أمام الناس الذين ينظرون بإعجاب واحترام كبير للمشاركين يتلمّسون الشعارات والمطالب. وبعد وقت يطول أو يقصر تأتي سيارات التدخل السريع (الوب) لترش المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه إذا لزم الأمر وحتى الرصاص القاتل في حالات نادرة خاصة عند المسيرات الضخمة. وبعد أن تفي المسيرة بأغراضها يتفرق الشباب في كل اتجاه والويل كل الويل لمن وقع في براثن البوليس الغاضب فبقية الرحلة من تعذيب وإهانة وأحكام قاسية بالسجن لا تخفى على أحد.
بعد الثورة وعند التحضير لتحرك احتجاجي يجتهد الناشطون بالفايسبوك في جلب الأنظار لقضيتهم وذلك باستعمال وسائل عدة منها كتابة تدوينة مؤثرة وإتباعها بصورة معبّرة أو فيديو قصير للتأثير على المتلقي. ويكون النجاح الباهر حين يكون عدد “الجامات” و”البارتاجات” و”الكمونتارات” بالمئات وربما بالآلاف في التحركات الناجحة! يقع كل هذا الحراك الفايسبوكي والجميع أمام شاشات الحواسيب متسمّرين! بعد ذلك يتنادى المشاركون للنزول إلى أرض الواقع لإيصال صوتهم للناس والتعريف بقضيتهم. في الأثناء وبعد تحديد موعد ومكان التحرك يقع تكليف أحد الناشطين بتحضير اللافتات فيقوم بكتابة بعضها هو وأصدقاؤه أو استعمال هاتفه ليتفق من إحدى دور الطبع بإحضارها بمقابل. عند الذهاب للتظاهرة يعمد بعض الناشطين النشطين لرسم مسار تنقّلهم من مكانهم إلى مكان التحرك على الفايسبوك ويحينه من وقت لآخر ليعلم الجميع أين هو بالضبط وما هي وجهته. في اليوم الموعود يأتي بعض العشرات ليجدوا الشرطة في انتظارهم لحمايتهم ومنع المندسّين من تحويل وجهة تحركهم النضالي. يرفعون بعض الشعارات ويلقون بعض الكلمات أمام لا مبالاة المارّة قبل أن ينفض كل إلى وجهته.
الحقيقة أن لكل زمان رجاله وأدواته ولا عيب في النضال بطريقة أو بأخرى. ولكن ما يعاب على بعض شباب “الفايسبوك” النشطين هو تعييرهم لمناضلي أيام الجمر واتهامهم بالنقص في “الرجلة” بمجرد اختلاف في المواقف السياسية من قضية معينة… أنا لا ألوم هؤلاء الشباب ولا حتى الذين يؤطرونهم فهذه المفارقة وغيرها هي نتاج طبيعي للأزمة الأخلاقية التي أصابت بلوثتها كل جوانب الحياة!