خير الدين الصوابني
سيغضب البعض.. سيجترح البعض قريحة شتائمه ليصب علي كل ما احتواه تراث الشتيمة من لعنات.. ولكنني مضطر لقول ذلك لا لأنني من هواة تقبل الشتيمة أو استثارة غضب أحد بل لأنه لا يمكن لأحد ادعاء التصدي للفساد دون الحديث عن ذلك..
لا يكاد بخلو معهد ولا مدرسة إعدادية أو مدرسة ابتدائية من مجموعة من المجرمين الحقيقيين المتنكرين في لبوس مربين.. لن أتحدث عن إجرام هؤلاء في حق تلاميذ بمختلف أنواع الإهانة والشتيمة والمضايقة وحتى العنف الجسدي وجر بعضهم الى رد فعل يجرمونه بعلوية مكانتهم وصدقيتهم أمام القانون وربما يدفعونهم إلى ردود فعل عنيفة لا يرى المجتمع الا خواتمها ولا يبالي بدوافعها وحيثياتها.. ولن أتحدث عن الذين يقتطعون الجزء الاهم من ايام التدريس إن لم يكن كلها احتسابا بشهادات طبية حصلوها من أطباء صاروا أعلاما في مناطقهم في تجارة الرخص.. ولن اتحدث عمن يبلدون اذهان تلاميذهم ويقضون الحصص في حكاياتهم المنزلية وذكاء أطفالهم ونقد المسلسلات والحصص التلفزية.. ولا عن أولئك الذين يمدون تلاميذهم بأعداد عن فروض لم يصلحوها.. كل هذا موجود.. ولأقل مسايرة للغة الخشبية وأخذا بخاطر الاصدقاء إنهم الاقلية بل لاسلم تسليم المغلوب بأنهم شواذ لا يعد عددهم ذو أهمية..
من اتحدث عنهم هم بارونات الاوتيت.. جماعة الدروس الخصوصية الذين تراهم في مكاتب المديرين مطلع السنة الدراسية يخوضون حرب حياة او موت لاحد سببين ان لم يكن للسببين مجتمعين.. ويصبحون بقدرة قادر نقابيين كبار لا يتوقفون عن الاستنجاد بالنقابة الأساسية وبمتفقد المادة حول موضوعين لا غير.. اولهما.. مستويات التدريس وثانيهما جدول الاوقات.. فالمدرس المحترم يرى أنه احق بتدريس مستوى دون آخر.. وليس من المنطقي ان يدرس بعد الرابعة مساء الخ.. ولا يعنيه في شيء ان تكون للتلميذ ساعات يقضيها في الشارع وأن المستوى الذي رفضه يجب ان يدرسه زميل بمنطقه اقل منه اهلية وانه بحكم انه موظف يمكن ان يدرس ساعاته حسب مصلحة التلميذ خلال الساعات الادارية الخ.. والقصة كلها حسابات تتصل في الحقيقة بالدروس الخصوصية..
لذلك نجد هؤولاء لا يتغيبون والحمد لله الا لاسباب قاهرة ومرضية.. وان تغيبوا لارهاق في القسم فلن يتغيبوا في حصص الدروس الخصوصية.. ويؤمن أغلبيتهم الساحقة حصص نهاية الأسبوع او ما قبل العطل الذي يصادف بقدرة قادر شفاءهم حتى لا تحتسب العطلة او نهاية الاسبوع في ايام الغياب…
هذا غيض من فيض وبعض هؤولاء معروف منذ سنوات بل ازيد من عقدين بمقاولي الدروس الخصوصية منهم من له مشاريع ربحية موازية واصحاب فيلات بمئات الملايين والكلو بعرق الجبين.. وفي كل معهد بالبلاد اسماء معلومة من الجميع يشتغلون صيفا وشتاء ويوم الأحد والى ما بعد منتصف الليل ولهم صولات وجولات في التنديد بارهاق الاستاذ بساعة اضافية واحدة ازيد من 18 ساعة القانونية.. وقس على ذلك كما قلت الاعداديات والابتدائيات..
في مدرسة الحبيب بورقيبة الابتدائية بالمرسى الدروس الخصوصية في احدى المواد بمائة وخمسين دينارا.. علما أن جل التلاميذ تصح على أوليائهم الصدقة..
ليس كل المربين من هذا النوع وليسوا الأغلبية وهناك مربون رائعون بالتأكيد ولكن عدد من أشرت اليهم مهول. ولا اعتقد ان اسرة في تونس من وزير التربية الى سائقه الى اسر المدرسين لم تكتوي بنيران هذا الجحيم..
رجاء .. لا تحدثونا عن الاجراءات القانونية ولا عن القانون الموضوع والذي لا يسوى الحبر الذي كتب به والجهد الذي بذل للتفاوض حوله ولا على الموقف العام والمبدئي الى آخره للنقابة.. يتغير الأمر أولا لما تقف النقابة الأساسية لتكشف هؤولاء المقاولين وتتبرأ منهم بالاسم وتتوقف عن خوض معارك جداول لا تكون فيها المصلحة العليا للتلاميذ الذين بسببهم يتلقى سلك التعليم رواتبه.. ومحاربة المديرين المتواطئين جبنا أو قصورا أو رشوة..
ما عدنا نطالب بتطبيق بيت كاد المعلم ان يكون رسولا.. نحتاج فقط لمعلم يقوم بواجبه وينفذ مقتضيات عقده الوظيفي والتزاماته تجاه المجتمع دافع الضرائب مؤجره..
تحية لكل الشرفاء من المربين الذين أدوا الأمانة بشرف ولا زالوا يكابدون متاعب المهنة ويزرعون العلم والأمل ولا يربون التلاميذ على ان الارتقاء يحصل بالرشوة المقنعة وان النموذج هو التحيل وتدبير الراس والغطرسة.