سفيهة لا قيمة لرأيها
معاوية بن أبي سفيان جعل الخلافة ميراثا، وتركة، وملك أجداد، ينتقل من ولد إلى ولد. الأمة الإسلامية لا تختار من هو أكفأ لقيادتها. لا تنتخب الخليفة. إنما تتجمّع الملايين من الحيوانات المنوية حول البيوضة، وتنتخب الأكفأ بينها على تلقيح البويضة. والفائز في الانتخابات هو الذي سيبقى 9 أشهر في الحفظ والرعاية، ثم يُطلّ على كوكب الأرض بوجه وليّ العهد والخليفة المقبل.
كان معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أميّة ثم ابنه يزيد ثم ابنه معاوية. ثم مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، ثم ابنه عبد الملك، ثم ابنه الوليد، ثم أخوه سليمان، ثم ابن عمه عمر بن عبد العزيز، ثم ترجع إلى يزيد بن عبد الملك، ثم أخوه هشام، ثم ابن أخيه الوليد بن يزيد، ثم ابن عمه يزيد بن الوليد، ثم أخوه إبراهيم، ثم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم. ثم تواصلوا في الأندلس.
كارثة، الحيوانات المنوية تنتخب من 41 هـ إلى 132 هـ. في الواقع وقعت حالات ابتعدت فيها قليلا، في حالة مروان بن الحكم خصوصا، ولكنها كارثة سنّها معاوية: الملك عبر الانتخابات المنويّة. المفروض تكون كيف؟ هناك من أجابنا وأعطانا بديلا مُخالفا. لنرى ذلك.
المفروض يكون الخليفة الأول علي بن أبي طالب ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه علي (زين العابدين) ثم ابنه محمد (الباقر) ثم ابنه جعفر (الصادق) ثم ابنه موسى (الكاضم) ثم ابنه علي (الرضا) ثم ابنه محمد (الجواد) ثم ابنه علي (الهادي) ثم ابنه الحسن (العسكري) ثم ابنه محمد (المهدي المنتظر الذي سيرجع في آخر الزمان).
لا أرى اختلافا، بل بالعكس لم تذهب إلى أبناء العمومة. نفس النوع من الانتخابات المنويّة، وليس من 41 هـ إلى 132 هـ فقط (أو إلى 316 هـ باعتبار الفترة الأندلسية)، بل من 11 هـ إلى آخر الزمان.
يقولون “لا، ولكن هم آل البيت المصطفين”. يبدو أننا لم نفهم جيدا الآية: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}. الله تعالى جعل نبيّه يدفع ضريبة عدم سنّ سنة التوريث بأن فقد ابنيه الذكرين (أو الثلاثة باعتبار ابنه إبراهيم)، فوجد البعض طريقا معوجّا مُلتفا، وصنعوا التوريث بأن أدخلوا في السلسلة ابنته فاطمة الزهراء. ما زلنا بعيدين عن فهم أبعاد آيات القرآن. اللهم افتح بصائرنا، وكرّه إلينا التعصّب الدموي ولو كان متصلا بدم أشرف الخلق، فكلنا من دم نبي الله آدم، بمسلمنا وكافرنا.
وأين الأمة في كلا النموذجين؟ عقيمة لا تلد حكامها، سفيهة لا قيمة لرأيها في اختيار حكامها. نموذجان يدوسان كرامة المليارات من المسلمين عبر الزمان، هذا بفعل التغلب وذاك باسم القرابة الدموية من رسول الله، والدين والمنطق خلاف ذلك. لم أقارن بين أشخاص بل بين نموذجين.