في بداية سنة 1992 كنت في السجن المدني بحربوب وكان الحرس يضيّقون علينا. فكلّ يوم نسمع بقرار جديد، أهمّ هذه القرارات وأولها منع الصلاة جماعة ولكننا لم نستسلم وواصلنا الصلاة جماعة فكان الحرس يدخلون علينا سراعا، يغرقوننا بالماء والسباب والضرب ثم إخراج الإمام مباشرة إلى السيلون بعدما يشبعونه ضربا..
كان الإتفاق بيننا أن نُبعد كبار السنّ عن الإمامة ونقدّم الأصغر فالأصغر وبما أنني في العشرين من العمر فإنني أصغر الجماعة.. وتقدّمت وبي رغبة لكسر الطوق ولكنني لم أكد أبدأ في الفاتحة حتى أتتنا الفرقعة من كل اتجاه ووجدت نفسي في الساحة بين جماعة من الحرس كالكرة يتقاذفونها.. ثمّ زجوا بي في السيلون مترين على متر لا تكاد تقف إلا منحنيا.. والماء الآسن إلى الركبتين.. لمّا أغلقوا الباب أيقنت أني هالك لا محالة.. الرائحة.. يا لهول الرائحة.. حاولت أن أقعي ولكن الماء غمرني فنهضت كالملدوغ.. أصيح.. يا أبناء الكلب.. ولكن لا من مجيب.. لما جاء الصباح وجدتني حيّا أتنفّس ولكنني لم أدر كيف مر ذاك الليل…
هذه الليلة، 2016.10.13، وبعد ثورة على الرعب والقهر، يدخل هذا السيلون بعينه في سجن حربوب الدكتور سعيد الشبلي بذات التهمة وهي إمامة المساجين.. لا أكاد أصدّق أن ثورة بالأمس القريب حدثت..