خير الدين الصوابني
ما حصل اليوم بنهج الملاحة مهزلة.. بل مسرحية سيئة الإخراج بكل المعايير… المنتج والمخرج وكاتب السيناريو أرادوا أن يوهموا الجمهور أنهم يخوضون حربا حقيقية بكل معنى الكلمة على التهريب فجندوا كل الأسلاك الأمنية للإقليم فضلا عن الشرطة البلدية وسدوا المنافذ وتمترسوا وملؤوا الطرق صخبا واستعراض عضلات ومناورات وشد أنفاس وجاؤوا بشاحنات الشحن.. ساعات وساعات… وحديث عن مواجهات واستعدادات من الطرفين… ثم بدؤوا حملتهم الحربية ضد التهريب… والحصيلة ماذا… سلع قدرها خبراؤهم بمليار وسبع مائة مليون… اي ما يساوي حمولة شاحنتين من السجائر التي تضيط مرة في الأسبوع لاسباب يعلمها الضالعون في رعاية التهريب… أو ما يوازي تمن نصف حاوية من مئات الحاويات التي تعبر الموانئ يوميا بأوراق تؤكد أنها بلا قيمة ومعفاة…
كذبة كبيرة خطط لها من رؤوا أنه ضروري إحداث بعض الصخب المؤكد لجدية المسؤولين في مقاومة التهريب ولا أستبعد أن تكون بايعاز من كبار المهربين المتحكمين في دولاب التغطية والتعمية والايهام بمقاومة التهريب…
عملية اليوم لو تمت في أحد الموانئ لكانت حصيلتها ما يسدد عجز الميزانية… مينائي حلق الوادي ورادس على بعد بضع كيلومترات تقطع سيرا على الأقدام.. وهناك التهريب والتهرب الجبائيان مجتمعان يعاقران دم الدولة… الشعب.. الجمهورية… ويخططان لهذه المسرحيات السخيفة…
أعرف أول المنتصبين بالسلع المهربة في نهج الملاحة مطلع الثمانينات.. بل أكاد أجزم أنني أعرف الجيل الأول من القادمين فردا فردا عندما جاؤوا حفاة عراة وأعرف حكاياتهم… وأعرف ما صار اليه البعض وما زال عليه البعض… حملة نهج الملاحة مثل تلك الحملات الاستعراضية التي عرفت بها تونس على مر العهود منذ زمن البايات… حملة يوم.. أو يومين.. وتعود حليمة لعادتها القديمة… من شاركوا في الحملة اليوم بعضهم ممن يحصل يوميا على الجعالة ومنهم من يرسل رسائل الإشعار وكلو بأجرو… بعض الخسائر التافهة سيعوضها ما يسميه بعض رفاقنا الاقتصاد الاجتماعي التكافلي بين أبناء السوق.. وبعضها الآخر سيعوضها باسما بشيك من كتب السيناريو… كبار تجار التهريب..