تابعت منذ قليل على قناة خاصّة فصلا من المهارشة المذهبية بين ضيفين وقع تقديمهما على أساس أنّ أحدهما يمثّل التشيّع والآخر التسنّن في تونس وهي الأولى من نوعها في الإعلام المحلّي، وهذه مسألة حسّاسة وخطيرة وتتعلّق بالإنسجام المجتمعي والحريّات الشخصيّة والأمن العامّ في البلد.
من الأكيد في هذا السياق من موقع المسؤوليّة الأخلاقيّة والمعنويّة التحذير من استعمال هذه القضايا الخلافيّة كمادّة للفرجة والإثارة أو تناولها بدون معايير عالية في المهنيّة والروح الحواريّة والتكوين المعرفي لأنّ تبعاتها ستعود بالوبال على البلد وليس أقلّ من ذلك تهديد وحدة الشعب التونسي وأمن الأشخاص وحرياتهم الخاصّة والعامّة والأساسيّة وإحياء النعرات والفتن.
كما يتأكّد التذكير بأنّ الدّستور التّونسي يقرّ حريّة الاعتقاد والضّمير والتفكير والتعبير ويجرّم التكفير
وهذا ما يقرّره الشيخ الطّاهر بن عاشور في الاختلاف المذهبي :
“وفيما عدا ما هو معلوم من الدين بالضرورة من الاعتقادات فالمسلم مخيّر في اعتقاد ما شاء منه إلا أنه في مراتب الصواب والخطأ. فللمسلم أن يكون سنيا سلفيا، أو أشعريا أو ماتريديا، وأن يكون معتزليا أو خارجيا أو زيديا أو إماميا. وقواعد العلوم وصحة المناظرة تميّز ما في هذه النحل من مقادير الصواب والخطأ، أو الحق والباطل. ولا نكفر أحدا من أهل القبلة”.
(في أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ص 172)
فمن حقّ التّونسي أن يكون ملحدا أو مؤمنا أو لا أدريّا، مسلما أو مسيحيّا أو يهوديّا، سنيّا أو شيعيّا أو أباضيّا أو سلفيّا… في كنف احترام مقتضيات المواطنة وقوانين البلد والأمن العامّ.
وإن كان ولا بدّ من فتح جدال في مسائل الخلاف الاعتقادي المذهبي فليُتَخَيَّر له العقلاء من أهل المعرفة والرّصانة والاتّزان حتى لا يتحوّل إلى مدخل لإثارة الفتن والقلاقل وليقع التمييز بين ما هو اعتقادي وما هو سياسي.
الفتنة نائمة… لا توقظوها.