الخيارات المرة …
السؤال نفسه الذي لا يجهله أحد حول الثورية والشرعية يعاود الظهور في قضية جمنة ولا أتصور أنه سيكف عن الظهور مع كل حدث علت قيمته أو نقصت، ضاقت حدوده الجغرافية أو اتسعت…
هو نفسه السؤال الذي طرحته الثورة التونسية برمتها والثورات العربية جميعها أي مقاومة الإستبداد عامة ولا يزال يطرح مع كل مطلع شمس في القضية الفلسطينية وبشأن مقاومة الإستعمار عامة وهو عينه الذي لا ننفك نطرحه في علاقة بجميع أشكال الحراك المدني داخل الدول.
الصعوبة التي يختزنها هذا السؤال هي التالية: المسار الشرعي لا يأتي بنتيجة (لا حراك البترول ولا المفاوضات الفلسطينية-“الإسرائيلية” ولا الحوار مع الطرابلسية والقذافي وبشار… وما يأتي بنتيجة هو مسار غير مشروع يربك النظام العام ويخرج عن القانون ويمس هيبة الدولة أو هيبة النظام العالمي. وفي نهايته هو غير قابل للفرز من الإرهاب، بل هو الإرهاب. لنسجل بوضوح أن الشعوب من قضية جزئية في جمنة حتى قضية وطنية أوسع كالثورة حتى قضية التحرر الوطني لم تزل في كماشة الخيارات المرة: إما الحقوق الضائعة أو القانون الذي لا يأتي بحق ويثير سخرية القوي أو القوة الناجعة لكنها صنو الإرهاب.
عدم الإجابة المتينة عن السؤال هو الذي أطاح من قبل بالتحرك حول البترول (أعلنت حالة الطوارئ وأقفل المرابطون في حقل النفط والغاز في الفوار راجعين إلى بيوتهم بوعود لم ينجز منها شيء وبيد فارغة وأخرى لا شيء فيها) وهو الذي أطاح برؤوس الثورات الواحدة تلو الأخرى وأعادها إلى حضيرة الشرعي، كل ثورة بطريقتها وهو الذي يطيح بحصار قاتل على غزة برأس المقاومة ولا يزال..
السر العجيب يكمن في الإجابة التي فرضها القوي عن هذا السؤال: كل مساس بنظام مستقر داخل الدولة أو بالنظام العالمي المهيمن فعل عدواني ينتهي إلى كلمة السر العجيبة: إرهاب. من الملثمين في القصرين إبان الثورة حتى المسلحين المختبئين بين المتظاهرين عند بشار والإرهابيين الفلسطينيين ضد “إسرائيل”، المفتاح السحري واحد.
ما العمل؟ لا للتفصيل هنا بشأن الإجابة بل فقط لمعرفة صعوبة السؤال الذي تحول اليوم إلى عقبة كؤود أمام أي حراك جدي لبناء الحق داخل الدول وعلى الصعيد العالمي والذي على المفكر الحق أن يضطلع به: كيف نصوغ القانون قويا ونحرره من سلطة القوى المالية والسياسية؟ كيف نتيح الممارسة المشروعة للقوة للشعوب إذا فقد القانون سلطته وتحول إلى لعبة مافيوزية؟
إذا لم نجب عن السؤال لفائدة المستضعفين في رؤية واضحة فإن الإجابة لا محالة تتجه لمصلحة القوي وليس أمام الإنسانية عدا أن تواصل الخيارات المرة نفسها: حقوق ضائعة وقانون صوري وقوة هي الإرهاب…