بشأن جمنة، وجهتا النظر واضحتان:
من يرون حق الناس في التملك ينظرون للنجاعة الواضحة لما حصل (جمعية نظيفة بشهادة الجميع وفوائد جمة ظهرت عيانا السنوات الفارطة على الصحة والتعليم وكل مناحي الحياة في جمنة) مقابل ملكية الدولة التي لم تثبت من جدوى عدا القانون لأجل القانون، وكراء الأرض لرأس المال بثمن زهيد وربح طائل يعود عليه وحده (بالمناسبة الحديث عن فارق غير صحيح بين بضع ملايين كراء الأرض وبين الأرباح بالمليارات، لكون النفقات كثيرة كلام غير دقيق… حكاية فارغة النفقات: رأس المال لا يخسر أكثر من عيني ماء لا تفوق تكلفة الواحدة ال15 ألف دينار وثمن “التذكير” (التلقيح)… حكاية فارغة وبعض الأسمدة أيضا حكاية فارغة (بالمناسبة لدي بعض النخيل لم يذق الأسمدة الآن لعشر سنوات ويحمد الله ويشكره لأن تراب الأرض نفسه غني بالنسبة لحاجات النخل).
بالمقابل من يرون هذا النمط من التملك فوضى يفتح الباب على الأسوإ في طول البلاد وعرضها للتملك خارج نطاق القانون. مفهوم الدولة نفسه سيتفكك والحال أننا بصدد إعادة ترميمه.
العجيب أولا أن من يرى مساسا بالقانون وبسلطة الدولة لا يلاحظ أن سلطة الدولة في حالة تملك فئة شعبية أو تملك رأس المال واحدة. فالدولة، ماذا ستفعل بـ”هنشير” من الدقلة؟ ستبحث له عن كراء زهيد ليزداد ثراء (وهو الثري أصلا) من يكتريها لا غير. لا توجد آلية ممكنة لدى الدولة غير هذه. هاهنا ما الفرق من هذه الناحية بين تملك فئة من الناس خارج القانون وتملك قلة رأسمالية رغم أنف القانون (لأن الدولة مجبرة على هذا الطريق)؟
بعد ذلك فإن بين الخروج عن القانون وتفكك الدولة وبين تملك الدولة الصوري الذي لا يستفيد منه عدا القلة من المتنفذين هم أنفسهم (لأنهم الذين استفادوا من قبل) المستفيدون القدامى – بينهما السؤال: ما الذي يمنع الدولة من الحفاظ على هذا النمط من التملك وتقنينه فيستفيد الناس في نطاق القانون وفي نطاق الحفاظ على الدولة؟ يمكن وضع شروط قانونية لهكذا تملك: إبقاء الأصل ملكا للدولة (والمقصود حق الدولة في استرجاع الأصل إذا لم توفى الغاية من تمليكه وهي الفائدة العامة)؛ إثبات نجاعته لأوسع شريحة وتقليص الفوارق الإجتماعية حتى بتوقيعات تطلبها الدولة من المستفيدين؛ أخذ الدولة حقوقها كاملة وأساسا الضريبة عوضا عن ثمن الكراء الذي كان يدفعه رأسمال وحتى أكثر والباقي ملك للناس.
لا تناقض بين تمليك الناس وبين القانون وهيبة الدولة، ليتسع القانون إلى نمط الملكية غير الرأسمالي..
دون شعبوية وثورجية، نعم، لكن أيضا دون تشكيك زائد بكل حراك شعبي ودون ثقة زائدة في مفاهيم النظام والقانون وهيبة الدولة التي باتت اليوم ثقلا على كاهل الناس، يجب أن نسجل النقاط المؤلمة بعد ست سنوات من عمر ثورة:
• رأس المال يكتري الأرض بالفتات الذي يلقيه للدولة ولا ينفق عليها كفاية بل يستنزفها بلا رحمة ويعيش الناس بالمقابل تحت خط الفقر ينظرون بأعينهم إلى خيرات أرضهم من الدقلة لا يستفيد منه غير فرد واحد، بلا معنى حتى للمال الذي يستفيده إذ لا يعود منه على الشرائح الواسعة شيء… هنالك نقول النظام مستقر والقانون هو السائد وهيبة الدولة قائمة.
• يتملك الناس ويكرمون الأرض من دمهم وعرقهم ويقبلون بأداء مستحقات الدولة أكثر من الفتات الذي يلقيه رأس المال وأكثر من ذلك تتخلص الدولة من عبء المطلبية… ذلك يسمى إخلالا بالنظام العام وخروجا عن القانون وتهديدا لهيبة الدولة.
• لماذا؟ لأنه في الحالة الأولى يتألم الناس ويسعد رأس المال وفي الحالة الثانية يتألم رأس المال ويسعد الناس. يجب أن نقتنع أن بنية الدولة رأسمالية جشعة وأن النظام والقانون والدولة مفاهيم مساوية بالضبط لاستقرار رأس المال وخدمة القانون له وأن هيبة رأس المال هي تقريبا المقصود حرفيا بهيبة الدولة.
• البحث عن حل جزئي في سياق الحفاظ على البنية الرأسمالية للنظام الإقتصادي هو كحال من يرجو السباحة في الرمل وعليه أن يبسط البحر أولا ليسبح. لا أفق عدا التغيير الأعمق للبنية الرأسمالية للإقتصاد التونسي بجعل الدولة تقبل بخصائص نظام غير رأسمالي تدخل على بنية النظام الرأسمالي ويكون ذلك تحت سلطة القانون ويتسع مفهوم الدولة للعناصر الجديدة.
• هذا الحراك لا يبدو أقل صعوبة من حراك البترول الذي لم يأت بربع مكسب.