زهير إسماعيل
ما نشهده هذه الأيّام هو أقرب إلى أن يكون مناظرة علنيّة بين الدولة والواحة. وهي مناظرة بين نموذجين في الانتظام السياسي والاجتماعي متقابلين :
سمة الأول الانقسام وغلبة العلاقات العمودية (حاكم/ محكوم) وسمة الثاني رفض الانقسام وغلبة العلاقات الأفقيّة (الكل راع والكلّ مسؤول عن رعيّته). فمجتمع الواحة لا يكون إلاّ أفقيّا.
الواحة مدينة في معمارها وفي علاقات التبادل داخلها، وهي مجتمع كتابة بامتياز، لذلك كان أهل جمنة من حملة القرآن حفظا وتلاوة وخطّا.
وأنت في جمنة تشعر بأنّك في مدينة بشوارعها وأزقّتها ودكاكينها ومرافقها وكثافتها السكانيّة، على خلاف ما هي عليه المجتمعات ذات الأصول الرعويّة حيث تكون المنازل متباعدة تفصل بينها مسافات تصل إلى آلاف الأمتار.
أفقيّة جمنة في اقتصادها التضامني، وفي حياتها القائمة على التشارك، وفي قدرتها العالية على الإدماج وتأسيس المشترك، وهو ما لم يتحقق في سياق الدولة ونموذجها بعد ستّة عقود من تجربتها الحديثة.
ومن المفارقات التي يقف عليها من زار جمنة وهي تعرض نموذجها أنّ النخبة التي تدابرت وتنافت وتقاتلت في الدولة اجتمعت في الواحة، في “يوم البتّة”، “يوم الزينة”.
حركة جمنة تجذّر التقابل بين الواحة والدولة، وتكاد تسلب الدولة “فضائلها” وتعرّي طبيعتها القائمة على العنف والتمييز والإقصاء والغنائمية، وتحصرها في هويّٰة سلطوية غبيّة لا تحسن إلاّ السرقة..
حركة جمنة تنبّه إلى التقابل بين القدرة والعجز والهدم والبناء والوعد والفعل والماضي والمستقبل… إلى حدّ التساؤل: أي الانتظامين هامشٌ؟