الإثنين 10 أكتوبر 2016 ـ تذكرة صباحية: سألني صديق عزيز “الطواف بالكعبة، أليس فيه بساطة عقل وتعظيم للحجارة؟”. فأجبت: ـ
مجال العقل هو الإيمان بالعظيم. وهذا الإيمان يجب أن يكون عميقا، ناتجا عن عمل عقلي، واقتناع تام، وقبول مريح، وتشرّب كامل، وانشراح صدر، وطمأنينة نفس (… إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا…). أما العبادة فليس مجالها العقل، لأنها شعائر ومناسك وطقوس ورمزية. تعظيم الله يجب أن يصدر من العقل المتشبع باليقين، ولكن عبادة الله تكون بالحركات وبالتلفظ بكلام مُعيّن مُحدد من العظيم نفسه ورسوله (ظهر، 4 ركعات، “سمع الله لمن حمده”، حج، البقاء في منى كل اليوم الثامن، قصر دون جمع في منى، قصر وجمع في عرفة، مبيت في مزدلفة، زكاة بمقدار ربع العشر،…). العبادة لا يمكن تفسيرها بالعقل، لماذا رمي 7 جمارات في اليوم العاشر ورمي 3X7 في الأيام 11 و12 و13 ذي الحجة؟ لا دور للعقل هنا. دوره يقف عند الإيمان بالخالق عبر النظر في خلقه.
الملحد لا يفعل هذا لأنه لا يؤمن أصلا. غير صحيح. إذا أراد الملحد أن يُعظم شيئا يؤمن به بعقله، وإذا أراد أن يُعبر عن هذا التعظيم جعل لذلك طقوسا وشعائر، لا مجال للعقل فيها. مثلا، إذا آمن الملحد بقيمة الوطن، وبعلويته على مصالح الفرد، وبوجوب الدفاع عنه بالدم وبالغالي والنفيس، كان هذا الإيمان بالعقل. فإذا أراد أن يُعبر عن تعظيم الوطن، جسّد لذلك، وصنع رموزا مادية وطقوسا وشعائر. مثلا، يصنع علما، وهو قطعة قماش، ولكن ترمز إلى الوطن وتجسّد عظمته. ثم يقف أمام العلم بخشوع، ويلقي أمامه التحية، ويستمع إلى النشيد الوطني بإنصات، وهناك بروتوكول كامل لرفع العلم، وتحيته من الجنرالات والجنود وعموم الناس، والبروتوكول هو تتابع حركات وكلمات.
صلاة الظهر هي تتابع حركات وكلمات، فهل نسخر من المصلي إذا فعلها ولا نسخر من الجنرال ورئيس الدولة إذا قام ببروتوكول تحية العلم؟ الطواف بالكعبة هو تعظيم لرب الكعبة عبر رمز البيت. فهل نتهم الطائف بالبيت ببساطة العقل ولا نفعل مثله للواقف دون حركة وبخشوع أمام قطعة قماش، اسمها العلم وترمز إلى الوطن؟ هل نسخر من المؤمن إذا امتثل “وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” ولا نسخر من الذي يستمع إلى النشيد الوطني ويُنصت؟ إذا أعتقد الملحد بأن الوطن هو أعلى من كل اعتبار، وقال هو الأكبر، فهل نستهجن قول مؤمن “الله أكبر”؟ كانت هذه تذكرة صباحية، وأسعد الله يومكم.