النموذج التونسي لمقاومة الإرهاب كان الأنجح…
لم تجد نفعا كل مقررات المؤتمرات والدراسات المتتالية لتشخيص الإرهاب وعلله وأشكال مقاومته. في كل مرة كانت النتائج أن الإرهاب ليس حدثا أمنيا فقط ليقاوم كذلك بل ظاهرة اجتماعية (فقر وبطالة..) وسياسية (إستبداد) ونفسية (إحساس بالغبن) وثقافية وتربوية (فكر تكفيري وآخر إقصائي) وغيرها. للأسف فإن الذي يفكر للتاريخ غير الذي ينفذ التاريخ. اليوم تزداد خطورة الإرهاب فعلا على وقع الحدث السوري حيث تزداد الأحقاد والإنقسامات والتعبئة من هنا وهناك.
ما الذي يجعل المعارضة السورية المدنية (من أبناء الجيش السوري – الحر ومن السوريين الذين لا يعرفون معنى للإرهاب من الطلبة والأساتذة والأطباء والحقوقيين والمثقفين من إسلاميين وعلمانيين) تضع يدها مع جبهة النصرة ذراع القاعدة الإرهابية ويجد الإرهاب حاضنته الشعبية وحتى النخبوية؟
ألم يتحول الإرهاب في العراق من اللاشيء ليصبح أحداثا متواترة ثم ظاهرة وأخيرا دولة ذات سلطة موحدة وعملة واحدة؟ من كان ينفخ في الإرهاب الروح تلو الروح غير الظلم المستحكم والإستبداد الذي أرسى قواعد دولة الإرهاب؟ من غير الطائفي المالكي بنى دولة للإرهاب (داعش) بعد أن عجز الأمريكان باحتلالهم كله عن الوصول بالإرهاب إلى أكثر من ظاهرة؟
لماذا بالمقابل يحتضن الشعب التونسي الجيش الوطني والأمن الوطني ويجد الإرهابيون أنفسهم في تونس في عزلة وجودية ومفهومية ولا يصدق الناس أن الأمن والجيش “طاغوت”؟ اليوم من يرفع سلاحا في تونس ضد الأمن الوطني والجيش الوطني فهو الإرهابي بلا منازع لدى الجميع لأنه هاهنا لا يقاتل استبدادا ولديه الطريق مفتوحا للمشاركة الديمقراطية وطرح آرائه بشكل سلمي أيا كانت كبوات التجربة. أي شيء يجعل الشعب والأمن والجيش يدا واحدة على الإرهاب عدا غياب الظلم إلى حد كبير والتزام الأمنيين دورهم الوطني الشريف كما العسكريين؟
أليس من العجيب أن يولد الإرهابي في تونس ولا يجد في تونس الأرض التي يترعرع فيها بل في العراق وسوريا؟ هل من الصدفة أن يولد الإرهاب كدولة (وهي أرقى درجات تطور الإرهاب: حدث، ظاهرة، ثم دولة) في سياق أعتى الديكتاتوريات العربية وبعض أعتى الديكتاتوريات الكونية، العراقية والسورية والليبية وبالمقابل لا يرتقي في تونس حتى إلى مستوى “الظاهرة” (في مقال سابق هو محض “حدث”)؟
مقاومة الإرهاب في تونس تمت بشكل عفوي وكل المقاومة الأمنية كانت مهمة بالدرجة الثانية إذ لم يشع استبداد في تونس كما هو في الشرق ولذلك جذور تاريخية يجب أن تحمد: رغم سوء الأنظمة السابقة منذ الإستقلال يجب أن نقر أنها لم تكن أنظمة كليانية عقدية إلا في الحدود البدائية لها بما لم يجعل الأمن التونسي والجيش يشتغلان لحساب طائفة مجرمة إلا في الحدود البدائية للكلمة أيضا، وظلا لذلك لجهة الوطن الشعب أقرب منهما لجهة الزعيم والقائد والحزب.
بالطبع في تونس أيضا لازالت خطوات جبارة يجب قطعها بعد للإرتياح إلى المصير السلبي للإرهاب: ففي الوقت الذي قدم فيه الأمنيون والعسكريون أنفسهم في بنقردان بعد أن لم يأخذوا من الوطن شيئا، لا يستطيع المافيوزيون أن يقدموا واجباتهم والتزاماتهم المالية للدولة بعد أن أكلوا فشبعوا…