مختار صادق
بعض ثوار الفايسبوك (الذين يقدمون أنفسهم تصريحا وتلميحا على أنهم أمناء سر الثورة وروحها!) بدؤوا من الآن يفركون الأيادي شماتة في النهضة وهي ترزح تحت نير الإستئصال مرة أخرى… الإستئصال هذه المرة سيكون على يد حليف الأمس (النداء) الذي بدأ حسب تنبؤاتهم في تكوين كتلة برلمانية بمائة واثنين وعشرين نائبا مهمتها الرئيسية عزل النهضة أو هكذا ظن هؤلاء “الثوار!” الذين فوضوا أنفسهم ناطقين رسميين باسم الوطن فيبيضون هذا ويسودون ذاك ولا أحد غيرهم يمتلك الحقيقة المطلقة… الأرض تميد بالمنطقة كلها وموجة استعمار جديد على الأبواب وهم لم يبتلعوا بعد أن النهضة حزب سياسي مدني معترف به مهمته الأساسية عقد تحالفات أو قطعها حسب ما تمليه السياسة ومكرهاتها وفرصها ومراحلها.
هب أن العلاقة بين النهضة والنداء أصبحت حامضة إلى حد القطيعة وأن النداء والنهضة كل ذهب إلى حال سبيله يبحث له عن حلفاء جدد! ولنفترض جدلا أن النهضة والبلاد لم تجنيا شيئا من سياسة التحالف وأن النداء (الذي انشق شقا إلى شقوق شيقة يشق على النفس اشتقاق شقيق لها) سيعود من جديد الى مربع الإستئصال… هل هذا مدعاة للفرح والشماتة عند أي عاقل؟ هل وصل التعصب السياسي بأصحابه إلى درجة الدوعشة التي لا ترى الناس بغير فسطاطيْن اثنين لا ثالث لهما؟ هؤلاء هم غوغاء الثورة وضجيجها ورياحها المضادة. فإذا لم يكن لهم من الفطنة ما يجعلهم يدركون أن الغرور الذي فرق شملهم ذات يوم بسبب انفرادهم بالرأي وبحثهم عن الزعامات الفردية (مثلهم مثل شقوق النداء) وفشلهم في إدارة الحوار واحترام الرأي المخالف فيما بينهم قد أضر بالثورة ووضع النهضة بين مطرقة التوافق وسندان الإستئصال فلن يعول عليهم في المهمات الصعبة.
النهضة التي يسبونها وهي بالأمس حليفهم التي أوصلتهم للكراسي والشهرة ويسبونها اليوم وهي التي أبعدت عنهم وعن البلاد شبح الإحتراب الداخلي دون أن تخدشهم بكلمة سوء رغم كل تجاوزاتهم سيسبونها غدا بالتأكيد لو تحالف النداء مع اسرائيل والشيطان لاستئصالها من جديد فهم للأسف لا يتقنون غير لغة السب والتخوين. وإذا كان الحكيم قادرا على تحويل أعدائه إلى أصدقاء وكان العاقل قادرا على المحافظة على أصدقائه فإن لهؤلاء الأغبياء قدرة خارقة على تحويل أصدقائهم إلى أعداء. هذا حِمْلٌ آخر على النهضة أن تتحمل وزر غبائه السياسي وهي تدير معركة شاملة على جميع الأصعدة.
ملاحظة: لمن يعرفني كنت ولا زلت من المعارضين لسياسة “التوافق” ولم أثق يوما “بالحليف” الندائي ولكن سوف لن أقف متفرجا أو شامتا أو غامزا أو لامزا إذا تعرضت النهضة من جديد لا قدر الله إلى حرب استئصال جديدة… سأتموقع جيدا لمحاربة الإستئصاليين وأغبياء السياسة معا.