من منّا لا يعرف “الحجاج بن يوسف” أو يسمع به ؟ هو أشهر من نار على علَم. بطشُه، وظلمُه، وبلطجيّته، ودهاؤه، كل ذلك جعل منه رمزا لعنجهية السياسين وبطش الحكام.. لكنه كان مثقّفا، إلا أن الجانب الثقافي في سيرته طمسه ظلمه وغيّبه سوء سياسته. يوم وفاته، وجدوا في مراكز الإيقاف التابعة له 30 ألف موقوف، ليس لهم جريمة ولا ذنب، وإنما اخذوا بالرّيبة والوشاية… إضافةً إلى من أعدمهم، وقتلهم، وعذبهم، وعلى رأسهم الفقيه “سعيد بن جُبَيْر”.
كان “الحجاج” يستحمّ ذات يوم في مياه الخليج، فأوشك على الغرق، فأنقذه فتىً لا يعرفه، فلما استقرّ على الشاطئ واستردّ أنفاسه، أراد أن يكافئ الشابَ فقال له: اُطلُبْ ما شئتَ يا فتى فطلباتك مُنجزة، ومَقضيّة، فتعجّب الشاب، وقال له : فمن تكون؟ ومن أنتَ ؟ فقال له أنا الحجاج بن يوسف فارتاع الشاب، وأحسّ بتأنيب الضمير، بسبب إنقاذه له، فقال له : لي طلبٌ واحدٌ، أُنْشِدُكَ بالله أن لا تُخْبِرَ أحدًا أنّي أنْقَذْتُك… فعاهده على ذلك. قالها الشاب، ليقينه بأنه قد ضيّع بصنيعه ذلك، فرصة لن تتكرر للتخلّص مجانا وبدون خسائر، من مُستبدّ غاشم ومن حاكم جائر روّع العباد، وأيضاً لِخَوفه من ردّة فعل المعارضة والمواطنين بأنهم إن علموا بفعله ذاك، صنّفُوهُ من أزلام النظام و قاطعوه، فيخسر مستقبله السياسي.
– فهل يحسّ بمثل هذا الشعور والتأنيب، والندم، مَن ساهموا – عن قصد أو غير قصد، شعروا بذلك أم لم يشعروا – في منح المنتسبين والرّاسبين في مدرسة القهر السياسي، والظلم الاجتماعي، وإهدائهم فرصةً للبروز والظهور والرجوع إلى مربّع التسلط والحكم، بعدما أوشكوا على الغرق في خليج الثورة وبعد أن كادوا أن تبتلعهم “مزبلةُ التاريخ”‘ ؟؟