بحري العرفاوي
حين ظهر في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 2011 ببرنامج لمن يجرؤ فقط مع الإعلامي سمير الوافي كان برهان بسيس واضحا وجريئا وصادقا حين قال أن من يستحقون أن أعتذر إليهم هم الإسلاميون، وامتدحهم بقوله إنهم كانوا فرسانا في معارضتهم لبن علي واصفا الجميع بـ”الغربان السود”. بعد تلك الحصة ورغم شهادته الحسنة في الإسلاميين إلا أن عددا من الشباب هاجمه على الفايسبوك في اتصال أبدى انزعاجه اتصلتُ بعبد الكريم الهاروني مسؤول مركب الشباب يومها فقال لي: طمئنه لن يهاجمه أحد وفعلا توقفت الهجمة.
حين أصبح منشطا بقناة “نسمة” كان متلطفا جدا مع حركة النهضة واستضاف بعض رموزها ولم يمارس عليهم إحراجا وحين استضاف رفيق عبد السلام وزير الخارجية السابق استدعى برهان منذر ثابت لمحاورته إلى جانب خليفة الحاج سالم، برهان يعرف أن منذر ثابت صديق النهضة الجديد ومدافع عنها في أغلب الملفات فأراد استثارته في الحصة بمزحة ذكية حين قال له: “لتوا ماكش صافي مع النهضة يا منذر”؟ بعد الحصة اتصلت ببرهان أمازحه قائلا: “شنوه برهان تحب تكمبن لمنذر مع النهضة؟” أجابني: منذر صديقنا أمزح معه.
برهان بسيس الذي سعى إليه “حظه” مع بن علي ولم يسع هو إليه لم يكن يحمل عداوة للإسلاميين ولم يكن من منظري الإستئصال ولم يكن لا تجمعيا ولا جزءا من جهاز الأمن الثقافي والإعلامي بل كان يتعامل مباشرة مع رأس السلطة. في 2008 حين ناقشته في ندوة بمنتدى التقدم ونشرت بعدها نصا بعنوان “برهان بسيس تداخل الأدوار” اتصل بي قائلا سترى الرد في أكثر من موقع وكانت مفاجأة الكثيرين حين استمعوا إليه في إحدى القنوات يدافع عن المحجبات ويدعو لمحاورة الإسلاميين وحين كتب في عموده بجريدة الصباح يدافع عن قياديين إسلاميين من الحركة الطلابية العجمي الوريمي وعبد الكريم الهاروني.. اتصلت به أحيي شجاعته فقال لي “ربي يستر”… بعد أسبوع نشر رضا الملولي بمجلة حقائق مقالا ينعت فيه برهان بالإرهابي بسبب مواقفه الجديدة ويتهمني بكوني من زيّن له ذاك “التحول” قائلا: “وقد عاضده في ذلك من نعته بفارس القول خصوصا أن صاحب النعت يستحضر السيف باستمرار”… برهان وعدني بالرد عليه ثم اختار تجنبه لسلاطة لسانه ـ برهان ليس سبابا وقاموس خطابه راق جدا ـ فكان ردي أنا بتونس نيوز وحوار نت بمقال عنوانه “الخليقة والتشليط الثقافي” اتصل بي برهان يقول لي “الله يمنعك فيه”.
وفي ندوة ثانية صائفة 2009 برادس تحدث عن مجموعة سليمان باحثا عن أسباب لجوء الشباب إلى “إطلاق الرصاص” وذكر الغنوشي ومورو كرمزين قابلين للحوار قائلا حرفيا : “هاذم موش الغنوشي ومورو أنجمو نحكو معاهم”. لقد كان برهان صادقا معي حين قال لي في لقاء بمقهى : “مشكلتكم مع بن علي معقدة جدا وعليكم بفتح ثُقب في الجدار” وكنتُ أفهم أنه يقصد بالجدار الإستئصاليين المتنفذين. بعض الإخوة في الداخل والخارج طلبوا مساعدتهم في حل وضعيات ذات طابع إنساني فلم يمانع في التدخل وكان تلقائيا… تدخل أيضا مرات لحل مشاكل منتدى الجاحظ مع السلطة.
أداء برهان بسيس اليوم في التاسعة أرى أنه ليس في صالح حركة النهضة وهو مثقف وإعلامي ذكي ويعرف كيف “يَحْقِنُ” دون ضجيج. (تفصيله في بعض الحلقات) ليس منتظرا أن يكون الإعلامي دائما محايدا ولكن المنطقي والمنتظر أيضا أن من يقتربُ منا ولا يُبدي تجاهنا عداوة فلا نهتم به ولا نستمع إليه ولا نحاول تفهم “وضعيته” لا نستغرب حين نجده في الضفة الأخرى.