مختار صادق
كانت نتيجة التصويت صادمة في مجلس الشيوخ الأمريكي حول القانون الجديد الذي يمنح عائلات ضحايا الحادي عشر من سبتمبر حق ملاحقة المملكة العربية السعودية قضائيا حول دورها المزعوم في تلك الأحداث الإرهابية و التي سبق وأن برأتها منها لجنة التحقيق المستقلة بعد أبحاث وتحقيقات مضنية دامت سنوات عدة.
أما نتيجة التصويت لإلغاء حق الفيتو الذي استعمله اوباما للإعتراض على هذا القانون (صوت واحد من أصل مائة صوت!) فقد كانت أكثر صدمة وتحوي إهانة كبيرة للعرب والمسلمين خاصة إذا علمنا أن هذه هي المرة الأولى التي استعمل فيها الرئيس أوباما هذا الإجراء الإستثنائي خلال فترتيه الرئاسيتين وأن مجلس الشيوخ المعروف بحكمته كان منقسما دائما حول القضايا التي تهم البلاد قبل هذا التصويت الفضيحة. وقد لاحظت تقريبا أن كل المحللين المشهود لهم بالإطلاع على الساحة الأمريكية (مثل عبد الباري عطوان) قد أخطأوا حين قرأوا موقف أوباما في استعماله لحق الفيتو على أنه مجرد “ذر رماد على العيون” أو إجراء “المغلوب على أمره” ولكن العكس من ذلك تماما هو ما حصل! ذلك أن أوباما والسيناتور “هيري ريد” صاحب الصوت الوحيد مع الرئيس لم يبررا موقفهما بالتعاطف مع المملكة العربية السعودية الحليف التاريخي لأمريكا في المنطقة ولكنهما بررا ذلك بالخوف من ردة بلدان أخرى في معاملة أمريكا بالمثل بعد هذه السابقة! أي باختصار في إجماع لم يحصل أبدا في أي فترة من تاريخ أمريكا أجمع كل السياسيين الأمريكيين على نزع اليد من حليف قوي طالما قدم خدمات جليلة لأمريكا سواء بدعم حروبها في المنطقة أو تفعيل سياستها النفطية في العالم.
ما يبعث على الإعتقاد أن السعودية خصوصا والمنطقة العربية عموما مقبلة على فترة بالغة الخطورة وذلك ليس بسبب سن القانون في حد ذاته ولكن بسبب الطريقة التي سن بها! فمهما كان ساكن البيت الأبيض القادم سواء كانت “هيلاري” رفيقة أوباما في الحزب وفي حب اسرائيل أو كان “ترامب” المجاهر بعدائه الصريح للمسلمين فإن سياسة أمريكا في المنطقة ستواصل على هذا المنوال حتى تتغير خريطة الشرق الأوسط في سيناريو مشابه لـ”سايس بيكو” وتقسيم كعكة البلاد العربية بين لاعبين جدد لعل أبرزهم روسيا المتسللة إلى المياه الدافئة عبر الثغرة السورية و إيران التي لم تعد تحتاج لممارسة التقية على حلمها بالثأر من يزايدة (جمع يزيد) هذا العصر.
لم يعد النفط دما للحاضر الأحمر أو عصبا للمستقبل الأسود كما كان يتداول في غرف الإستراتيجيا المظلمة بشرقها وغربها خاصة بعد أن حققت أمريكا اكتفاءها الذاتي من هذه المادة واتجه العالم بأسره للبحث عن مصادر بديلة للطاقة أقل تلوثا وأكثر انتشارا في العالم. ولكن السيولة المادية وانهيارها هي البعبع القادم الذي يقض مضاجع رجال الإستراتيجيا والإستشراف في أمريكا وكل الدول الغربية خاصة بعد هجرة الرساميل إلى دول جنوب آسيا واتجاه عصر المعلومة للإنبساط بين كل دول العالم.
قرابة الترليون دولار من الأموال والأسهم والودائع السعودية في أسواق أمريكا لن تكفي لإشباع نهم أباطرة المال في نيويورك وواشنطن قبل أن يأتي الدور لاحقا على حلقات اخرى أضعف مثل دول الخليج ودول أمريكا اللاتينية المفقرة تحت ذرائع عدة مثل محاربة الإرهاب وتبييض الأموال والتهرب من الضرائب والقائمة تطول. الأقرب للمنطق أن يكون الدور بعد السعودية على الإمارات العربية المتحدة وقطر فهما دولتان غنيتان والأهم من كل ذلك حليفتان قويتان لأمريكا بقواعدها العسكرية فأمريكا وعلى لسان وزير خارجتها اليهودي الماكر “هينري كيسنجر” “خطر على أصدقائها أكثر من أعدائها”! يحدث هذا ودول صاعدة في المنطقة مثل تركيا وإيران تنهض وتقوي جبهتها الداخلية رغم تنوعها العرقي والطائفي أما الدول العربية فهي غارقة في تفاصيل نهر المماحكات الداخلية ناسين أو متناسين تسونامي الإستعمار الجديد الداهم… ولا عجب في ذلك فالدول العربية على بكرة أبيها إما محكومة لعائلة مالكة أو لمافيا فاسدة أو للإثنين معا!!