.
الأسطوانة نفسها تعود بعد كل حادثة قتل على خلفية سياسية أو فكرية والخلاصة: الإرهاب التكفيري يعتدي على حرية التعبير والإسلام السياسي وراء كل ذلك… أشير على عجل إلى نقاط أساسية يجب شرحها موسعا في غير هذا الموضع:
.
– الكفر في الإسلام حق بمعنى “من حقك أن تكفر” أي droit وهو حق بمعنى “واقع لا يمحوه شيء” أي réalité/vérité. ليس لأحد فضل على أحد لا المؤمن على الكافر ولا الكافر على المؤمن. كلاهما يمتلك حقه هذا في الإيمان وذاك في الكفر من طبيعة الخلق نفسه لا لمنة سياسية وحقوقية بحسب القرآن الكريم: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ (التغابن).
.
– القتل متعلق بالمرتد في الإسلام. لكن المرتد ليس الكافر بل المسلم. التكفير لا يتعلق بالكافر بل بالمسلم. الكافر أصليا في عصمة بكفره لا يتعلق به القتل الوارد في الدين (والحديث واضح: لا يحل دم امرئ مسلم (لا كافر) إلا… التارك لدينه المفارق للجماعة). ويشمل كفر الكافر عقيدته حتى ممارساته التي تلحقها يعيش بحسبها ولا يكره على غيرها ويسمى في وضع ضلال ويحاور بلا تحفظ إلا أن يتحول إلى متكبر بضلاله فيسمى كافرا.
.
– القتل المتعلق بالمرتد مشحون في الإسلام بمعنى قتل المعتدي ولا يقتل من يكفر إلا بهذا المعنى، فلا يقتل من لا يؤمن بالله جهارا ولا حتى من يخرج من الإسلام بعد إسلامه إلا معتديا، فلا يقتل لكفر بل لاعتداء. الكفر كما يرد في القرآن الكريم ليس مجرد رأي خاطئ بل سلوك عنفي. الرأي الخاطئ يسمى في القرآن “ضلالا” ويقابله الهدى. الضال ليس عينه الكافر: “الضال” مخطئ الطريق بلا اعتداء، أما “الكافر” فهو المتكبر بخطئه.
.
– دلائل معنى الإعتداء في الردة لا الرأي الحر كثيرة: فلم يقتل الذي منع الزكاة ونزلت فيه الآية ﴿فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾ وقوتل وقتل أمثاله إذ مس منعهم الزكاة وضعا مدنيا للدولة مع أبي بكر ر أي اعتداء على الدولة، ولم يقتل الذين خرجوا من الإسلام بحكم اتفاق صلح الحديبية ولو كان القتل شأنا عقديا لما دخل في مساومة سياسية كما لم تدخل الصلاة والإيمان بالله، ولم يقتل الكثير لمجرد الخروج من الإسلام ولم يزد الإسلام عن الإستغناء عنهم: ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾… كل مضمون قتل مرتد في الإسلام هو مضمون اعتداء ومضمون حربي.
.
– أنواع الإعتداء والحرب عديدة أهمها: الإعتداء المادي بالسلاح وأن يكون الكفر جيشا مقاتلا أو فردا أكان ذلك اصطفافا أوليا أو خروجا من الإسلام للإصطفاف ضده؛ الإعتداء بتشويه صورة الخصم: ﴿آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، والمعنى أن اتفقت طائفة من اليهود، من العلماء خاصة على تقرير دخول الإسلام والخروج منه بعد مدة للقول قد عرفنا الإسلام عن قرب ولو وجدناه حقا لما خرجنا منه…
.
– تاريخ الإسلام بحضور النبي ص نفسه محتشد بالشناعات التي قيلت في حق الله ﴿وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾ – ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ﴾… وأي شناعة أكثر من كون الله عاجز وكونه ذو أبناء وزوجة وغير ذلك كثير؟) دون أن يلحق ذلك شيء. بعد ذلك ومع دخول مختلف الشعوب الإسلام انتشر تصوير الأنبياء والملائكة خاصة مع الفرس وحتى تصوير الله تعالى دون أن يتبع ذلك غير الحوار والجدال بالحسنى.
.
– ما قام بتصويره الكاتب الأردني كمضمون يترجم وعيه بالله (تجسيد – الله يخدم من في الجنة ويؤمر…) -وهو خاطئ علميا بحسب الرؤية الإسلامية إذ مفهوم المطلق يفهم ولا يتخذ صورة- أقل شناعة مما حصل من اليهود والمسيحيين أمام النبي ص نفسه: فهل تصوير الله أشد شناعة؟ أوليس ما قام به الكاتب الأردني أهون في مضمونه (لا في شكله) من المكانة التي جعلها اليهود والمسيحيون لله في مدينة النبي ص ولم يكن بينهم عدا الحوار؟
.
– قراءة نصوص الإسلام وتجربته بشأن قتل المرتد، بما هي قتل للرأي، إما هي نتيجة لجهل بالإسلام أو لعجز عن ملاحظة الحرب الساكنة في قلب الخطابات والممارسات وأشكال العدوان.
.
– الكفر كرأي حق لا أرى لماذا يغمط وإلا أصبح القرآن الذي أقره لاغيا. كل ما سوى ذلك من تجريم الكفر كموقف (لا كاعتداء) ليس سوى عادات ثقافية لا أرى لها أصلا في الإسلام.