من لحظة المؤقت إلى الطوارئ الدائم
جمال بوعجاجة
لقد ولت لحظة المؤقت بكل طوارئها بأخف الأضرار بعد أن حققت المطلوب منها إنجازا للدستور وترتيبا للانتخابات التشريعية والرئاسية بدورتيها، ورغم القصف الإعلامي والاحتجاجي والإرهابي فقد كان الأمل في تجاوز المؤقت عارما بعد أن انفتحت أبواب الحرية واسعة واتخذت تونس موقعا دوليا راقيا لنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي بكل سلاسة، فكانت الامتحانات تجري في مواعيدها، ومعدل النمو في ارتفاع وفرص الاستثمار في تحسن، وكان النجاح واضحا في امتصاص الصدمات واختراق الأزمات بكل بصيرة وحكمة، حيث تجسد التواصل والالتحام بين القيادة والقاعدة الشعبية في كل المناسبات الضرورية، ولم يكن الفشل سوى وهم في عيون أصحاب العمى الأيديولوجي والحقد الثوري المقدس.
أما اليوم فنحن إزاء خيبة وطنية كبرى في تحقيق الإنقاذ ونحت معالم الخطوة الأولى في مرحلة الدائم، حيث اصطدمنا بوضع استثنائي طارئ في كل المستويات فقفزنا على امتحانات ثلاثية في الثانوي وقفزنا على اختبارات نهاية السنة في الابتدائي لنواجه لأول مرة نجاحا آليا، كما واجهنا إضرابات طويلة المدى، وشللا يكاد يكون حيويا في قطاعات حساسة، وتضاعفت درجات العمليات الإرهابية حيث حققت اختراقات نوعية وكمية غير مسبوقة نفذت إلى العمق السيادي بباردو وبوشوشة، فتراجع منسوب الحريات بإغلاق الجمعيات الخيرية ودور القرآن وروضات الأطفال وأغلقت المساجد بعد كذبة استعادتها والسيطرة عليها.
وأخيرا أعلنت حالة الطوارئ لتنسف أي امل في تجاوز وضع الاستثناء ليصبح الطارئ مؤبدا من أجل التضييق على أي تعبيرة شعبية احتجاجية، وقد انعكس مأزق الحزب الأغلبي في الحكم على وضع البلاد وتسييرها، حيث تصدرت الوجوه الاستئصالية للانتقام من الخط الثوري والتضييق على التدين والحريات.
وإذ تراكمت زلات هرم السلطة وتضاعفت خيبات الحكم، فقد أضحى الطارئ اصلا وأضحت فرص انعاش الحكومة ورموز فشلها إعادة إنتاج لخيبات جديدة بما يستوجب التفافا وطنيا حول مشروع إصلاحي شامل بعيدا عن الإقصاء والإسقاط والوصاية والمؤقت.
فهل ننجح في تجاوز المؤقت والاستثناء والطارئ إلى جسر مرحلة الاستقرار الدائم، بعد أن اختبرنا فشل كل الوعود الانتخابية وإخفاق كل الحلول الترقيعية والمبادرات الفردية والحزبية المنفردة؟