تدوينات تونسية

ما عاد العقل قادرا على فهمهم

صالح التيزاوي

تُصرف أموال طائلة لتمويل الحملات الإنتخابيّة للأحزاب، وهي منتزعة من قوت الشّعب وعلى حساب العاطلين عن العمل وعلى حساب الجهات المهمّشة وما أكثرها، ويشغلون الرّأي العام بوعودهم الزّائفة ونظريّاتهم المزعومة وحروبهم الوهمية على الفساد والفاسدين وشكاواهم من سنوات الجمر والمحارق والإستبداد.. وحين يكون الأمر بأيديهم لتغيير الواقع وتسجيل بصمتهم في الجمهوريّة الثّانية، تسمع منهم العجب العجاب… ما لا تقرؤه في كتاب ولا تشاهده في ركن من هذا الكوكب الأرضي…

بعضهم، يطرح فكرة حكومة الرّئيس وهي مناشدة مغلّفة بـ”التّفكير المنطقي” ومبرقعة بـ”المصلحة الوطنيّة”، أمّا الدّوافع فهي لا تعدو أن تكون أحقادا ومعلّبات فكريّة منتهية الصّلوحيّة، يجادلون في الحرّيّة وفي الدّيمقراطيّة وكأنّها محمولة في جيناتهم، ولكنّ حنينهم إلى البيان الأوّل الذي أورثنا كل هزائمنا التالية لنكبة 1967، غير خاف على أحد.

وبعضهم صدّع رؤوسنا طيلة العهدة البرلمانيّة السّابقة بمخاطر الفساد والفاسدين على الثّورة وعلى البلاد، وأبدع في عروض مسرحيّة على طريقة الـ”وان مان شو”، حتّى خلناهم المنقذين من الضّلال والموصلين إلى المدينة الفاضلة، فلمّا حانت اللحظة الحاسمة وبعد أن اشترطوا وبالغوا في الإشتراط، وبعد أن استجاب رئيس الحكومة المكلّف لشروطهم كلّها وملّكهم مفاتيح الإنطلاق في حرب فعليّة على الفساد، استبدّ بهم الحنين إلى عروضهم المسرحية تحت تصفيق الجمهور المخدوع، لأنّهم لا يملكون الكفاءة لمقاومته، ولأنّهم منشغلون بعواقب الفشل، أكثر من انشغالهم بعوامل النّجاح. بات واضحا أنّهم لا يفكرون بحاجة الوطن إليهم ولكنّهم يفكرون بحاجتهم من الإستحقاقات الإنتخابيّة القادمة..

بعضهم صدّع رؤوسنا بأحاديث طويلة وعريضة عن مدنيّة الدّولة وأصدروا البيانات في ذلك وكونوا مراصد على طريقة كهنة المعابد لحماية الطّابع المدني للدولة، التي اكتشفوا أنّها أضحت مهدّدة بعد الثّورة، والحال أنّنا لم نكن نملك منها قبل الثّورة سوى “السّجن المدني”، ثمّ تراهم وبكلّ وقاحة ما رواه التّاريخ وما حوته الكتب عن أخبار الكذّابين والمنافقين وتجّار السّاسة، يدعمون “حفتر ليبيا” المتقاعد العسكري واسير الحرب السّابق في التشاد ومجرم الحرب الحالي، الذي لم يخف عداءه لتونس.. فكيف لمن يدّعي المدنيّة في دولة مدنيّة، يحكمها دستور مدنيّ، أن يدعم مليشياويّا دمّر بلاده وذبح من أهله وردم منهم تحت الأنقاض ما لم يفعله الغزاة؟

وعندما ذهب رئيس الحكومة المكلّف الذي لا نعلم عنه خيرا أو شرّا في حكومة كفاءات مستقلّة عن الأحزاب بعد أن فشل في لمّ شتاتهم، قيل له: لقد ضيّقت واسعا أيّها المكلّف، فطالبوه بتوسيع ما ضيّق، حكومة كفاءات (شبه.. شبه) مزيج مرّكب من كفاءات متحزّبة ومستقلّة. فكيف بربّكم تكون مستقلّة؟!! وكيف لمن كلّف مكلّفا أن يتحمّل مسؤولية حكومة “مستقلّة؟ هل يتحمّل معها نصف الفشل إن فشلت؟

مواقف تثير الهزء والسّخريّة، تكشف عن عبث السّاسة بمصالح البلاد والعباد، قد لا تكفي علوم السّياسة التي أبدعها العقل الإنساني لفهم ساستنا وأسباب نكبتنا في ثورتنا.. وحدهم شياطين السّياسة أبناء الحرام السّياسي القابعين في غرفهم المظلمة، يفهمونكم، لأنّهم يوجّهونكم، أمّا الشّعب فقد كفر بكم وبانتخاباتكم، فلا تلوموه، إن انصرف عنكم، وقد اختنق بقرفكم، ولكن لوموا أنفسكم إن بقيت فيكم بقية باقية من ضمائر ومروءة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock