تدوينات تونسية

التّربية الجنسيّة بين المتحمّسين والمتخوّفين

صالح التيزاوي

ثمّة اتّفاق واسع في الوسط التّربوي على أنّ المنظومة التّربويّة الحالية التي تعود جذورها إلى إصلاح 1991 أو ما اصطلح عليه إصلاح محمّد الشّرفي، قد أصابها العجز والتّرهّل، وأصبحت تعاني من عجز وقصور، لامسا مختلف جوانبها. ورغم ذلك لم يتحرّك القائمون على الشّأن التّربوي في البلاد في عمليّة إصلاح شاملة وجذريّة بعيدا عن الحلول التّلفيقيّة والجزئيّة، استجابة لإملاءات خارجيّة، أكثر ممّا هي استجابة للاحتياجات المدرسيّة والمجتمعيّة، على نحو ما تسعى إليه وزارة التّربية لإقرار تدريس مادّة التّربية على الصّحّة الجنسيّة. فهل هذا السّعي المحموم نتيجة لتشخيص علمي وموضوعي؟ وهل هو من أولويّات الإصلاح التّربوي؟

في ظلّ الإنقسام المجتمعي الحادّ، ولئن وجد هذا الإجراء من يتحمّس له، فإنّه أثار في أذهان آخرين جملة من المخاوف، ولكلّ مسوّغاته ومبرّراراته.

يسوق المتحمّسون وهم في الغالب، من بقايا منظومة إصلاح 1991 التي عملت على تجفيف منابع الهويّة. يقول هؤلاء، بأنّ التّربية الجنسيّة، ليست الحياة الجنسيّة، دون أن يستطيعوا رسم الحدود التي لا ترتقي لسمك شعرة بين المجالين. وكيف السّبيل إلى عدم الخلط ولو عن حسن نيّة؟ ويقولون أيضا بأنّ التّثقيف الجنسي، جزء لا بتجزّأ من من التّعليم. وهذا متاح في مواد مختلفة (علوم طبيعيّة خاصّة)، وفيها أجوبة شافية وكافية عن أسئلة التّلميذ (الطّفل والمراهق). فما الحاجة إلى إدراج مادّة التربيّة الجنسيّة إذا؟

ويمضي هؤلاء في تزيين تدريس المادّة الجديدة، فيذكرون أنّ الهدف من تدريسها، هو الفهم الصّحيح للإختلاف الفيزيولوجيّ بين الجنسين والتّهيئة النّفسيّة للتّغييرات التي يعيشها المراهق في مرحلة البلوغ. وهذا أيضا متاح في جملة من المواد (العلوم الطّبيعيّة، التّربية الإسلاميّة، التربية المدنيّة، العربيّة، الفلسفة). أليس في الحماسة إذا، دوافع أخرى؟ (غير معلنة). نابت عنها عبارات رنّانة من قبيل: “اكتساب القيم وتبنّي المواقف” و”التّربية على احترام حرمة الجسد و”الحماية الذّاتيّة” و”الوقاية من المعلومات الخاطئة”… من باب تسهيل هضم المادّة الجديدة على النّاس وإبراز المخالفين وكأنّهم ضدّ مصلحة التّلميذ.

أمّا المتخوّفون، فهم ينطلقون من أولويّات التّلميذ والمدرسة، فأيّهما أولى: التربية الجنسيّة، أم توفير طاولة سليمة وقاعة نظيفة وقاعة مراجعة، وملعب رياضة وقاعة مغطّاة، غيابها يحرم التّلميذ من اللّعب في فصل الشّتاء؟ فالواقع المحيط بالعملية التّربويّة، بالغ السّوء والرّداءة: قلّة التّجهيزات وانعدامها في بعض المؤسّسات التّربويّة إلى جانب غياب الصّيانة وانعدام الرّعاية الصّحّيّة. هذه الظّروف جعلت من المدرسة فضاء غير جاذب وغير مغر مقارنة مع البيت والشّارع. فعن أيّة تربية جنسيّة يتحدّثون؟

بعيدا عن الحماسة الزّائدة، ليس هناك ما يمنع تدريس، مادّة التّربية على الصّحّة الجنسيّة، إن توفّرت الشّروط الموضوعيّة، فهل يكفي تكوين عدد المتفّقدين بطريقة سريعة لتكوين عدد من المربّبن بطريقة أسرع لتدريس مادّة بمثل هذه الخطورة؟ أليس الإنطلاق في تدريس المادّة الجديدة في منتصف العام الدّراسي دليل كاف على الإستعجال؟ ولماذا لا يقع إقرار المادّة في إطار إصلاح تربويّ شامل؟ ثمّ ألا يبدو الإستعجال مقدّمة لإفراغ الإصلاح التّربوي المنشود من مضمونه كما حدث في إصلاح 2002؟

وهل مثل هذا الإجراء كفيل بإنهاء حالات التّحرّش والإغتصاب؟ ثمّ مالذي يضمن عدم تحوّل المادّة (عند البعض) على الأقلّ إلى نوع من التّطبيع مع الإنحراف والشّذوذ؟

يحتاج الأمر إلى مجلس أعلى للتّربيّة، تقع مأسسته، ليقرّ الإصلاحات الكبرى، ويتدخّل بالتّعديل لمواكبة التّطوّر بعيدا عن نزوات السّياسيين وأهوائهم وخلفيّاتهم الفكريّة، ولا يكون لوزارة التّربية من دور سوى تقديم الدّعم اللّوجستي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock