تدوينات تونسية

الكتلة التاريخية… وهم اليائسين من الديمقراطية التونسية

أنيس عشي

كثر الحديث عن مشروع “الكتلة التاريخية” منذ مرور الرئيس الحالي إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية والتي نظّر لها رضا لينين رفيق درب قيس سعيد حينها.

الكتلة التاريخية التي كان يدعو إلى قيامها أنطونيو غرامشي، الفيلسوف الماركسي الإيطالي (1891-1937) وأحد أهم القادة التاريخيين للحزب الشيوعي الإيطالي، لم تكن الغاية من تأسيسها من الناحية النظرية الانتقال بإيطاليا إلى نظام ديمقراطي برلماني بل إلى تحقيق دكتاتورية البروليتاريا.
الحزب الشيوعي الإيطالي نفسه الذي نجح في تأسيس الكتلة التاريخية من أجل التغيير الديمقراطي تخلى في مرحلة تاريخية لاحقة عن دكتاتورية البروليتاريا في مقابل نظام برلماني ديمقراطي.

كان ممكن تقبّل فكرة الحديث عن مشروع “الكتلة التاريخية” في تونس قبل الثورة زمن انسداد الأفق السياسي ومع ذلك كانت ستبوء بالفشل لعدم توفر العوامل والخصوصية الثقافية والإجتماعية والعقائدية، لكن في الزمن الراهن وفي ظلّ قيام نظام ديمقراطي برلماني استثنائي في العالم العربي بفضل ثورة “سبعطاش– أربعطاش” عبثا يحاول بعض المفكرين ذو المرجعية الماركسية طرح هذا المشروع.

▪️ مفهوم الكتلة التاريخية

وتعني فكرة “الكتلة التاريخية” من الناحية المفاهيمية حسب مؤسسها أنطونيو غرامشي العمل المشترك بين المنظمات والهيئات التي تمثل الطبقات “الشعبية” والاتحادات النقابية وتوحيدها في ظل الهيمنة الطبقية للحزب الشيوعي على هذه الطبقات. في سياق تأسيس الكتلة التاريخية. الهيمنة هنا بمفهوم تعميم الأفكار والتصورات من خلال القبول وليس بمفهوم السيطرة من خلال الفرض. ولا يمكن تحقيق الهيمنة إلا من خلال تبنّي مطالب “الطبقات الشعبية” وطرحها والدفاع عنها، وتوحيد الطبقات هذه على أساسها وخوض الصراع معها من أجل تحقيقها.

وبالتالي نستخلص أن الكتلة التاريخية يعني توحيد من أسفل للطبقات الشعبية من خلال النقابات والاتحادات والهيئات واللجان التي تشكلها.

“إنها كتلة في المستوى الاقتصادي المجتمعي وليست في المستوى السياسي، هذا المستوى الذي له أشكال أخرى من التعامل، وتكتيك مختلف تماماً، بالضبط لأنه تحالف لحظي، مؤقت، ويفرضه الصراع في لحظة معينة، دون أن يعني وقف الصراع الأيديولوجي ضد الأحزاب التي يمكن التلاقي معها في هذه اللحظة. الحزب الذي يعبّر عن البروليتاريا يستطيع أن يشكّل الكتلة التاريخية من الطبقات “الشعبية”، وهو لن ينتصر دون أقق ذلك، لأنه بها يتحوّل إلى أكثرية، إلى قوة شعبية حقيقية، تفرض شروطها على الأحزاب الأخرى، وتستطيع الانتصار. هذا ما كان يفكّر به غرامشي، وما كان يحاول تحقيقه (سلامة كيلة 2016)”.

الحديث عن كتلة تاريخية في تونس هو أضغاث أحلام لطبقة سياسية شاذّة فكريا وحضاريّا لم تسعفها آلية الديمقراطية في التموقع في المشهد السياسي الحالي.
تونس اليوم بعد أن أمّنت مسار الانتقال الديمقراطي ونجحت في المرور من ديمقراطية هشّة انتشرت فيها مظاهر الفوضى وتقهقرت فيها كل الموشّرات الاقتصادية إلى ديمقراطية برلمانية اجتماعية مستقرة تتوجّه نحو تركيز منوال تنموي بديل لامركزي ذكي ومستدام قادر على خلق الثروة وحلّ المشكلات الاقتصادية الرّاهنة.

👈 أنيس عشي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock