مقالات

قيس سعيّد عزل وزيري الدفاع والخارجيّة

عبد اللّطيف درباله

في أوّل ممارسة فعليّة للسياسة.. ونؤكّد “للسياسة”.. وليس للسلطات الدستوريّة لرئيس الجمهوريّة.. فرض قيس سعيّد اليوم عزل وزيري الدفاع والخارجيّة وكاتب دولة في ضربة واحدة..!!

ومن المعلوم بأنّ تعيين وإعفاء كلّ من وزير الدّفاع ووزير الخارجيّة يتمّ بأمر من رئيس الحكومة.. باعتبار أنّ تعيين أعضاء الحكومة يدخل في نطاق سلطاته الدستوريّة.. لكن بعد إستشارة رئيس الجمهوريّة في الخصوص.. نظرا لكون الرئيس هو المشرف دستورا على الدّفاع وعلى السياسة الخارجيّة..
لكن وبالرغم عن ذلك.. فقد نصّ الدستور التونسي على أنّ رأي رئيس الدولة يبقى مجرّد رأي إستشاري.. بمعنى أنّه يمكن لرئيس الحكومة مخالفته وعدم الأخذ برأيه.. سواء في التعيين أو العزل أو اختيار الشخص..

كان واضحا منذ بداية تولّي الرئيس المنتخب قيس سعيّد لمهامه الدستوريّة كرئيس للجمهوريّة بعد أداء اليمين.. أنّه لا يرغب في العمل.. لا مع وزير الدّفاع عبد الكريم الزبيدي.. ولا مع وزير الخارجيّة خميّس الجيهناوي..
فلمن يدقّق.. فإنّ قيس سعيّد ابتدأ نشاطه الرئاسي الرسمي.. بمقابلة رئيس الحكومة.. ثمّ برؤساء الأحزاب السياسيّة الناجحة في الإنتخابات التشريعيّة الجديدة.. أي الذين سيكونّون مجلس نواب الشعب القادم..
لكنّه في المقابل لم يستدع لا وزير الدّفاع عبد الكريم الزبيدي ولا وزير الخارجيّة خميّس الجيهناوي.. رغم أنّه يفترض أنّ عمله يتطلّب التعرّف على الوزيرين الأقرب له دستوريّا.. لكونه سيعمل معهما أكثر من أيّ عضو آخر في الحكومة.. لكونهما المكلّفين بسياسة الدفاع والسياسة الخارجيّة.. التي يشرف على إدارتها رئيس الدولة..
وحتّى مقابلة عبد الكريم الزبيدي لرئيس الجمهوريّة في أوّل يوم من تولّيه الرئاسة في زيارة قيس سعيّد لمقبرة الشهداء بالسيجومي.. فقد كانت مجرّد مقابلة بروتوكوليّة عابرة أملتها الضّرورة لا غير..!!

كانت تلك إشارة كافية بأنّ قيس سعيّد غير راغب لا في التعامل مع الزبيدي ولا مع الجيهناوي..!!
لكن باعتبار أنّ صلاحيّات الرئيس تمنعه من عزل الوزيرين.. فيبدو بأنّ سعيّد ناور سياسيّا ليفرض على رئيس الحكومة يوسف الشاهد عزل الوزيرين وكذلك كاتب الدّولة للديبلوماسيّة الإقتصاديّة حاتم الفرجاني غير المرغوب فيهم جميعا من قبله.. مستغلاّ العداوة المعروفة خاصّة بين الشاهد وبين الزبيدي.. ورغبة يوسف في عزل وزير الدّفاع.. فعقد معه شبه صفقة سياسيّة ضمنيّة وغير معلنة.. وربّما لم يتمّ التفاوض في شأنها بوضوح وصراحة أصلا.. ظهر بمقتضاها وأنّ قرار رئيس الحكومة الشّاهد أتى بإيعاز من رئيس الجمهوريّة.. وليس بتصفية حسابات من طرف يوسف شخصيّا إتّجاه الزبيدي خاصّة..!!
وضمّت “الصفقة” في المقابل كلّ من الوزير خميّس الجيهناوي وكاتب الدّولة حاتم الفرجاني..!!

كما أنّ الشاهد من جهة أخرى.. وبعد ضعف موقفه وتراجع نفوذه.. لخسارته الإنتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة.. لم يعد يمكنه أن يتعنّت.. وأن يقف حاليّا أمام الشعبيّة الجارفة لرئيس الجمهوريّة الجديد قيس سعيّد.. وأن يرفض رغبته في عزل الوزراء وكتّاب الدولة الذين يفترض أن يتعامل معهم باستمرار في ممارسة مهامه الدستوريّة.. طالما أبدى الرئيس الجديد رغبة في عدم التعاون معهم أو في وجودهم أصلا..!!
وممّا يدّعم ذلك أنّ قيس سعيّد أعطى مثالا لما يمكن أن يكون عليه الوضع مستقبلا من تجاهل لوزير الدّفاع والخارجيّة.. عندما استقبل وزير الخارجيّة الألماني يوم أمس دون حضور وزير الخارجيّة كما يقتضيه العرف الديبلوماسي وجريان العمل..!!
كما قام رئيس الدولة أيضا بتكليف كاتب الدّولة رسميّا بتمثيل تونس لدى منظّمة الدول الفرنكفونيّة.. بعد أن كان مبرمجا أن يقوم وزير الخارجيّة نفسه بذلك..!!
وهو ما يعني أنّ قيس سعيّد أكّد بوضوح بأنّه لن يتعامل مع الجيهناوي..وأنّه ماض في ذلك إلى آخر درجة..!!
وأنّه لا مجال إلاّ للإذعان إلى رغبته في تغيير الوزيرين المذكورين دون الحاجة إلى إنتظار تشكيل الحكومة الجديدة التي قد تسغرق عدّة أشهر.. لم يكن سعيّد على إستعداد لانتظارها.. أو للقبول بالأمر الواقع..!!!

كان حريّا بخميّس الجيهناوي والحالة تلك.. أن يكون لبيبا.. وأن يفهم من الإشارة.. فيقوم بالمسارعة بتقديم إستقالته.. لكنّ وزراء بن عليّ لا يعرفون ذلك.. وقد تربّوا على الذلّ والتشبّث بالمناصب إلى آخر رمق..!!
لذا فعوض الاستقالة.. قرّر الجيهناوي أن يزيد في فضح نفسه.. وأن يدلي يوم أمس بتصريح إعلامي لبرنامج مريم بلقاضلي على قناة الحوار التونسي.. معطيا إشارة الإنطلاق لحملة تحليلات وهجومات ضدّ قيس سعيّد.. معتقدا كغيره من سذج السياسة في تونس المبرمجين على ما قبل 15 سبتمبر 2019.. بأنّ الإعلام وقنوات بارونات مافيا السياسة والإعلام والفساد في تونس.. لا زالت هي التي تصنع السياسة.. وتوجّه الدّولة.. وتشكّل الرأي العامّ.. وتعلي الرؤوس وتطيحها..!!!

•• بقيّة الجزء من هذا المقال والخارج عن الموضوع..
أنّه بإمكان المتضرّرين مثل خميّس الجيهناوي وعبد الكريم الزبيدي أن يلتجئ مساء اليوم وكلّ يوم.. إلى الحضن الدافئ لمريم بلقاضي وشلّتها للّطم والنّديب.. وأن “يفرّغ قلبه” ويشتكي قيس سعيّد.. وسيجد بالتأكيد.. كالعادة.. كلّ الترحيب والمساندة والمؤازرة و”الطبطيب” من شلّة اللّطم والنديب بالحوار التونسي.. وسيبكون ويندبون معه الدّولة وتونس والسياسة والإتيكات.. وسيلطمون وينتحبون ويولولون.. ثمّ سيقبضون أجورهم.. وسينامون ليفيقوا على “لطخات” جديدة في قادم الأيّام..!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock