تدوينات تونسية

هل يتعرّض اتّحاد الشغل إلى حملة تشويه ؟

نور الدين الغيلوفي

قرأت خبرا يقول: “إنّ منظمة الأعراف تدين بشدّة الحملة التي استهدفت مؤخرا اتحاد الشغل والقيادات النقابية”… خبر طريف يتعلّق بدفاع منظّمة الأعراف عن خصمها في الميدان وشريكها في جائزة نوبل للسلام…

أن يدافع الخصم عن خصمه فهذا من قمّة النبل.. وأن يكون له شريكا في خدمة الوطن فهذا عين النبل.. وأنا أضمّ صوتي إلى منظّمة الأعراف وأعلن إدانتي لكلّ تهديد يصدر من أيّ جهة ضدّ أيّ جهة.. ولكنّني لست أميل إلى تصديق ما تروّجه قيادات الاتحاد من أخبار زائفة تتعلّق بتهديدات تلقاها من جهات لا تريد تسميتها.. وقد يذهب بي الظنّ إلى افتعال تلك القيادات لوقائع تهديدها افتعال أقوال وأعمال لأنّ ذلك يساعدها على خلط الأوراق من أجل تأبيد نفوذها في البلاد على أساس المظلوميّة.

ويعدّ السيد سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل هو حامل لواء مظلومية المنظّمة هذه الأيّام.. وقد جعل من صفحته على الفيسبوك منصّة راجمات يوجّهها لكلّ من لم يوافقه الرأي.. حتّى لقد تحوّلت قيادات العمل النقابي إلى بقرات سودٍ لا يجوز نقدها ولا حتّى لومها.. وكلّ ناقد لها ولأدائها أو مشتبِه في فسادها هو بالضرورة مستهدف للاتّحادِ المنظَّمةِ التي تنتمي إلى الشعب التونسي كلِّهِ وليست حكرا على جهة منه.

قال السيد الأمين العام المساعد: ” إن التهديدات التي طالت مؤخرا كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس لا تمسّ شخصه فحسب بل هي تستهدف المنظمة الشغيلة ككل.. وأضاف: إن حملة التجييش الممنهجة ضدّ الاتحاد العام التونسي للشغل، منذ الانتخابات التشريعية الماضية، تقف وراءها جهات وأطراف سياسية معينة” مشيرا الى أنها بدأت باعتداءات لفظية لتتحول إثر ذلك إلى اعتداءات ماديّة.. وقد ضحكت عندما قرأتُ عبارة “لتتحول إثر ذلك الى اعتداءات مادية” لأنها ذكّرتني بطلب التفويض الذي تقدّم به عبد الفتاح السيسي عندما سأل الشعب المصري تفويضا لمحاربة الإرهاب المحتمل.. وليس أشدّ من العنف والإرهاب إثارة للذعر لمن أراد إرعاب الناس وتوتير الأجواء.. وقد انتهى السيسي بمصر إلى ميدان تشبّ فيه الحرائق منذ نال تفويضه ذاك…

وأنا لا أميل إلى تصديق السيد سامي الطاهري للاعتبارات التالية:
1. لأنّ قوّة اتحاد الشغل الضاربة لا تجعل سياسيًّا عاقلا قادما على استحقاق سياسيّ مفصليّ يجهر باستهدافها إلّا أن يكون نقد الأداء ضربا من الاستهداف وأن يكون النقابيون فوق النقد وأن تكون الدعوة إلى محاسية الفاسدين منهم استهدافا وتهديدا واعتداءً.. وعليه يكون السياسيّ المتصدّي للشأن العام حرّا في كلّ شيء ما لم يقترب من حَرَم الاتّحاد العام التونسيّ للشغل.. فإذا اقترب رُميَ بكلّ نقيصة وسُلبت منه صفة الوطنيّة.

2. لأنّ السياسيين، في الوقت الراهن لا مصلحة لأحد منهم في أن يثير الغبار حوله بشنّ معركة مجانية ضدّ الاتّحاد.. وليس من عاقل يعمل على خرق السفينة التي يركبها أو قطع الغصن الذي يجلس عليه.. وتهديد قياديّ نقابيّ إنما يعني ضربا من الانتحار إذ أنه أشبه بإثارة “عش الدبابير”.. وقد عوّدتنا بعض القيادات النقابية المتنفّذة على أنّها تصنع من الحبّة قبّة تأوي إليها لتحارب من ورائها من لا يوافقها بدعاوى لا حدّ لها…

بناء على ذلك، يذهب بي الظنّ إلى أنّ بعض قيادات الاتّحاد بما تراه من تغيّر بالمشهد السياسيّ ومن استعادة للنفس الثوريّ تحمله أصوات منعتقة من الحسابات غير خاضعة لمنطق التوازنات ولا معترفة بالإكراهات، باتت على يقين من أنّ دورها صار ثانويا وأنّها على وشك أن تُعادَ إلى ثكناتها لا تغادرها تلزم حدّها بها وتكتفي من أمرها بدورها النقابيّ المنوط بها.. وذلك لا يناسبها لسبيين:

الأوّل: أنها تخسر سالف سطوتها بعد أن صارت محكَّمة في المشهد السياسي برمّته بسبب صراعات السياسيين التي لا تنتهي.. وليس سهلا على من أدمن السطوة أن يتركها.

الثاني: أنّ بعض القيادات عليها شُبَهُ فساد فهي تخشى إن استحكم القانون أن تُجبر على الخضوع له.. وإذا تمّ ذلك خسرت من جهتين: جهة صورتها التي تخشى عليها وجهة منافعها التي كانت لها ولا رقيب عليها.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock