تدوينات تونسية

نتائج الإنتخابات والمآزق المرتقبة

صالح التيزاوي

وصل قطار الإنتخابات محطّته الأخيرة: صناديق الإقتراع بكلّ سلاسة، وكأنّنا لسنا في ديمقراطيّة ناشئة، وباحت صناديق الإقتراع بمن وصل وبمن تخلّف وبمن اندثر (الجبهة الشّعبيّة والنّداء والبديل والوطني الحرّ وآخرون) فكأنّهم ماكانوا، وبمن هو في طريقه إلى الإندثار. فكيف يبدو المشهد الإنتخابي؟ وأيّ آفاق لتشكيل حكومة قويّة، قادرة على رفع التّحدّيات وعلى رأسها، استكمال بناء المؤسّسات الدّستوريّة وتحسين الأوضاع المعيشيّة للنّاس بعد انتخابات “التّخرّج” ؟
حلّت حركة النّهضة الأولى في الإنتخابات، ولا يمكن القول بأنّها فازت، بحكم تراجع كتلتها النّيابيّة، متأثّرة بصعود صاروخي لإئتلاف الكرامة الذي أكل من خزّانها الإنتخابي. وستجد نفسها لا محالة في وضع صعب لتشكيل الحكومة، لأنّ أبرز الكتل متباينة إلى حدّ التّناقض، فمع من ستتحالف؟
ولا تبدو الإختيارات كثيرة في واقع تأكيدها مسبقا إبّان حملتها الإنتخابيّة على عدم التّحالف مع حزب القروي، َواستحالة تحالفها مع “الدستوري الحر” ذي الميولات الفاشيّة (الحزبان خارج دائرة البحث عن تحالفات). ولا يبدو تأسيس “ترويكا” أمرا ممكنا من النّاحية العدديّة لضمان أغلبيّة حكومية مريحة. قد يحتاج الأمر إلى الإنفتاح على ما هو أوسع من التّرويكا، مثل إئتلاف الكرامة، ولكن هل تقبل به بقيّة الكتل شريكا في الحكم؟ وليس من المتوقّع أن يقبل إتّحاد الشغل بسيف مخلوف ممثّلا في حكومة تبحث عن دعمه، فمن المتوقّع أن لا يغفر له ما سلف. وليس من المتوقّع أن يتنازل عبّو عن نرجسيّته ويضع يده في يد النّهضة. فمهما أبدى من رضا بما أعطته صناديق الإقتراع، فلا يبدو الأمر كذلك. فقد كان يطمح إلى ما هو أكثر، وقد تغريه لجنة الماليّة التي تعطى وجوبا للمعارضة بالبقاء خارج الحكم لينظر إلى ما ستؤول إليه الأمور. وفي هذه الحالة سيجد نفسه في خندق واحد مع حزب فاشي واستئصالي!! ربّما تجد النّهضة نفسها مضطرّة إلى دعم حكومة يترأّسها الشّاهد بشروط من الطّرفين: تقصي أطرافا وتقرّب أخرى، وفي هذه الحالة تجد نفسها مرّة أخرى عاجزة عن تطبيق برنامجها.
حزبان أحدثا اختراقا نوعيّا، حزب التّيّار وحركة الشّعب، بدا واضحا أنّهما استفادا كثيرا من قاعدة الجبهة الشّعبيّة، التي توزّعت أصوات ناخبيها عليهما. الحزبان يتقاربان في الأحجام ويختلفان في الرّؤى، وهو ما يفسّر التّلاسن الحاصل بينهما. التّيّار، يجعل من الحرب على الفساد أولويّة (هكذا يسوّق)، فإن كان الأمر كذلك، لماذا بادر إلى حجز موقعه في المعارضة؟ وهل يستطيع من موقع المعارضة أن يفي بالتزامه مع قواعده في محاربة الفاسدين والفرصة مواتية إن قبل بشراكة في الحكم. أم أنّ الحرب على الفساد عنده، لا تتجاوز الشّعارات كما عند غيره؟ موقف عبّو المتسرّع في التزام المعارضة، ذكّرنا بموقف أحمد نجيب الشّابّي بعد انتخابات 2011.. فهل يشهد ذات المصير إن أصرّ على موقفه وبقي على الرّبوة ولم يتخلّص من نرجسيّته؟
أمّا حركة الشّعب المستفيد الأكبر من اندثار الجبهة، فهي ولئن عبّرت عن انشغالها بالمسألة الإجتماعيّة، بحكم الخلفيّة النّقابيّة لبعض رموزها، فهي تجعل من العلاقات الخارجيّة أولويّة، حيث تبدو منشغلة بإرجاع العلاقات مع النّطام السّوري أكثر من أيّ شيء آخر، وقد يكون هذا أهمّ شروطها لبناء تحالفاتها.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock