مقالات

النصائح العشر، لنجاح الموسم الدّراسيّ الجديد

بشير العبيدي

#أقولها_وأمضي
تيسّر لي أن أشارك في أشغال افتتاح واختتام مواسم دراسيّة كثيرة في عدد من المدارس الأوروبيّة. وتعميماً للفائدة، أقترح فيما يلي عشر نصائح، لعلّها تصلح لمسؤولي التّعليم وأصحاب رسالته، من أجل اغتنام هذه الفرصة المتجدِّدة لتحقيق إضافة نوعيّة على مستوى ظروف التعليم ومخرجاته. وليست هذه كل ما يمكن تقديمه من نصائح، فيوجد ما لا نهاية له من توجيهات قيمة، لكنني أختار منها هذه، وبالله التوفيق :
النّصيحة الأولى : الرؤية التعليميّة. الرّؤية التعليميّة الخاصة بمؤسستكم هي وثيقة تجمع في بعض الورقات أهداف المشروع التعليمي الذي تقوم عليه مؤسستكم أو مركزكم، وفيها الخطوط العامة التي هي قواسم مشتركة بين جميع العاملين في المؤسسة من إطار إداري وتعليمي، وهي رؤية خاصة بكم في بيئتها المحلية، والتي لا يمكن أن تتغير. كما تحتوي الوثيقة على تذكير بمؤسسي ذلك المحضن التعليمي وقدماء المشرفين والمعلّمين ومن تميّز من خرّيجيه. كما يلحق به قانون المؤسسة الداخلي ووثائق التأسيس، ويكون كل ذلك على ذمة الإطار المشرف والإطار الإداري والإطار التعليمي والأولياء والمتعلّمون الكهول.
النّصيحة الثانية : الاستعداد المسبق للموسم الدّراسي. الموسم الدراسي الجديد يتطلب استعداداً، بناءً على تقييم موضوعي لأداء الموسم المنقضي، ولذلك ينبغي إجراء إحصاء دقيق للمخرجات في الموسم الماضي، مع عدد التلاميذ الجملي ونتائجهم وإحصائيات الأحداث المهمة وعدد الساعات وتطور أعداد المتعلّمين والمعلّمين وعلامات المتعلمين، والخرجات المدرسية والأنشطة والإبداعات التلمذية والتعليمية، فذلك منا يذكّر بالحصاد السابق ويشحذ الهمم للحصاد اللاحق.
النصيحة الثالثة : استقبال الأولياء. إنّ الوليّ هو إنسان مثلنا، له فلذة كبد حريص عليها أشدّ الحرص أن تتعلّم في أفضل الظروف الممكنة، فمن المهم جدّا أن يكون الاستقبال على قدر عال من الاحترافية، وأن يتم ذلك من طرف المسؤول الأول أو من ينوبه، وأن يكون مبتسما مقبلا على الناس بشوشا مرحا فرحا، وأن يستمع أكثر مما يتكلّم، وأن يوزع عليهم الرّؤية التعليمية وحصاد السنة المنقضية، وأن يبدّد مخاوفهم وشكوكهم وهمومهم بالنسبة إلى أولادهم، وذلك بمعلومات متوفرة وأجوبة واضحة يتم الاستعداد إليها بشكل مسبق، وأن يكون الأداء اللغوي مع الأولياء بالفصيح من الكلام، بصرف النظر عن اللغة المستخدمة، وأن تكون هيأة المؤسسة في أبهى شكل وأليق صورة، وأن يكون هناك استقبال فردي واستقبال جماعي بحضور المعلّمين.
النصيحة الرابعة : فنّ مرافقة التلامذة والمتعلّمين : المتعلّمون ينبغي أن يكونوا محور الاهتمام الرّئيس بلا منازع. فهم رفقاء الطريق في الموسم الدراسي وهم محطّ كلّ الجهود المبذولة. وكلّ النصائح السابقة تجد ترجمتها وصداها في جودة استقبال المتعلّمين خاصّة. وسواء كان المتعلّمون أطفالا أم كهولاً، فإنّ القائمين على الاستقبال في الْيَوْم الأول ينبغي أن يكونوا على مقدار احترافي عال، من أجل جعل الأطفال يشعرون أنهم في بيئة تمدرس توفر لهم الأريحية وتطرد من مشاعرهم الإحساس السلبي والرهاب من المدرسة والخوف من الزملاء والإطار المدرّس، كما تفهمهم بطريقة ذكيّة أنّ هذا المكان يسود فيه جوّ من الاحترام والجدّية والحزم بقدر ما يسود فيه جوّ الودّ والإنصات والتفهّم، وهنا يكون الأمر وسط بين اللين والشدّة، لين في غير ضعف وشدّة في غير عنف، خصوصا في هذا الزّمان المتصف بالتسيّب والانحلال وفقدان السيطرة والتمرّد.
النصيحة الخامسة : المعلّمون ليسوا موظّفين، هم أصحاب رسالة. ولا ينبغي النظر إلى التعليم بوصفه “مهنة”، فالمهنة أصلها الشيء الممتهن الذي لم يكن السيد يقوم به بل يوكل للعبد، بينما التعليم هو رسالة، وفي الأصل اللغوي (علّم) دلالتها جاءت من الوسم الذي كانت العرب تعلّم به الدواب لكي لا تختلط بغيرها، ومن هنا يُستفاد أنّ أثر التعليم نهائي ومحدد في تطور الأفراد والجماعات، وأن العناية بالمعلم تستوجب : معاملته بكل تقدير وإجلال واحترام، وتوفير الإمكانيات التعليمية الكافية لكي يقوم بمهمته على أكمل وجه، وتنظيم دورات تدريبية طوال السنة الدراسية لأنّ التدريب حقّ وواجب، ولا تترك مؤسسة تعليمية التدريب والتأهيل لمعلميها إلا انزلقت رويداً رويداً في مسلك الانكماش والضمور وإعادة إنتاج الرداءة.
النصيحة السادسة : العمل الجماعي بين المدرّسين ليس خياراً، هو المسار الوحيد الممكن نحو النجاح. عدد من المعلّمين والأساتذة يختارون العمل الفردي المنكفئ على الذات ظنا منهم أن ذلك هو أقوم مسلك لراحة البال والتصرف بحرية في الفصل وخارجه، بعيدا عن ضغط المجموعة وانتقادات الزملاء والإدارة. ويسبب هذا السلوك فوات فرصة نادرة للتطوّر والتطوير ونقل الخبرة والعمل مع الآخرين من أجل تحسين الأداء. وكم من معلّم يقضي السنوات تلو السنوات يكرّر الأخطاء ذاتها ولا ينتبه، بسبب انعدام العمل الجماعي ونقل الخبرة البيني.
النصيحة السابعة : إعداد الدّرس في المنزل واجب. عدد من المعلّمين قد لا يعطون هذه النقطة ما تستأهل من اهتمام نظرا لكونهم في انشغال دائم أو أنهم استوعبوا المادة بعد سنوات من تقديمها، إلا أنّ إعداد الدّرس لا مهرب منه مهما كان مستوى المعلم ومهما كانت درجة تمكنه منها. والإعداد هو ضبط الأهداف الإجرائية ووسائل تحقيقها ووقت ذلك وشروطه وكل الإعدادات المادية المرتبطة بعملية التعليم. ولقد تعلمت مثلا فرنسيا جميلا يقول : الوحيدون الذين لا يحققون أهدافا أبدا هُم أولئك الذين لا يحددون أهدافا !
النّصيحة الثامنة : دور المعلم والأستاذ تغيّر في زماننا، ولم يعد هو مصدر المعلومة بل صار موجها. لها ومحفزا. على المعلّم والأستاذ والمدرّب أن يدركوا أن مجتمع المعرفة الْيَوْم لم يعد فيه مجال لأن يكون المدرّس هو مصدرا للمعلومة وملقّنا لها. لقد كان ذلك فيما مضى من الزّمان. الْيَوْم، دور المعلّم هو التوجيه والتحفيز والتنشيط والتحبيب للمادة عبر الاستخدام الأمثل للوسائل التعليمية. هذا يتطلب أن تغيّر المدارس من سياستها تجاه المدرّس، فالرجم له الدورات التدريبية وتوفر له الألعاب التعليمية المتنوعة بكمية كافية وفق مخطط تعليمي محكم وليس بشكل عشوائي.
النّصيحة التاسعة : التعليم لا يكون إلا بالحبّ، فمكن كان قلبه خاليا من محبّة متعلّميه، فلا ينتظر نتائج مشجّعة. وذلك أنّ العلاقة بين المعلّم والمتعلّم هي علاقة نفسيّة مركّبة وتحتمل قدرا عظيماً من حبّ العطاء والبذل والفهم والاستيعاب للبيئة والوجود والمستقبل، كما تتضمن العلاقة رؤية للمستقبل واستنهاض الهمم وغرس الشيم، والمعلِّم لا يعلّم معلومات أو مهارات فحسب، بل يعلّم ذاته ونمط وجوده ويعيد إنتاج مجتمعه بشكل صامت. نحن لا نُعلِّم ما نعلم ولكن نُعلِّم ما نحن عليه من ثقافة ونمط تفكير بكل ما يحمل ذلك من إيجابيات وسلبيات، لذلك فالمعلم والأستاذ لا يمكنهما بناء علاقة عداء مع المتعلمين بل العلاقة الوحيدة الممكنة هي علاقة المحبة والرحمة والشفقة والتفهم، وهو لأجل ذلك كان ينبغي أن يكون في قمة هرم الاهتمام الرسمي والشعبي، ماديا وأدبيا، نظرا لخطورة دوره على الأجيال القادمة. أضيف نقطة هنا بشأن العقوبة البدنية والنفسية : أنّ القسوة والعنف – جسديا كان أم نفسيا – لا يصنع إلا أجيالا ذليلة جبانة منافقة، حتى وإن أنتج الأسلوب نجاحا ما في التلقين. وليس المقابل للقسوة والقهر اللين والتسيب والعجز بل الحزم والفذاذة ، وذلك أنه لا يمكن بناء إنسان بسطوة القهر ولا بسيبة الإهمال.
النّصيحة العاشرة : التعليم في العالم صناعة ومعايير ونظم وأطر. وهذا يستوجب التحيين الدّائم للمعلومات واستمثال التغييرات واستكمال التدريبات الضرورية لمعرفة المعايير العالمية المتجددة فيما يتعلق بالتعليم. فالمجتمعات البشرية تتغير أوضاعها وتتقلّب ويستدعي ذلك البحث المستمر في العلاجات الناجعة التي تتيح للمتعلمين تفعيل أكبر قدر ممكن من طاقاتهم من أجل هضم المعلومات وفهم الظواهر، والتأقلم مع المتغيرات. وكثير من المجتمعات تتخلف عن الركب لا لكونها لا تصل إلى تلك المعلومات، بل لأن معلّميها وأساتذتها ومدرّسيها يعيشون في بيئة متكلّسة ومتحجّرة ومقاومة للتغيير، فتجد الجيل الجديد يستبطن رفض بضاعة الجيل القديم وتنتقل العلاقة من علاقة تمرير رسالة في الحياة إلى علاقة تناحر وخصام ورفض وتمرّد على الموجود. وهذا يتطلب معرفة المعايير والطرق والأساليب الضرورية للتأقلم مع المتغيرات دون فقدان التعليم لجوهره وهو : إعداد النشء للحياة.
✍🏽 #بشير_العبيدي | محرم 1441 | كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أمَلًا |

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock