تدوينات تونسية

«ناري نا على الڨمح الباجي في مخازنكم يا رومان»

توفيق رمضان

استحضرت اغنية لزهر الضاوي يا شهيد الخبزة رجعت والتي يتحسر فيها على قمحنا الباجي في مخازن الحكومة بعدما اعلنت هذه الاخيرة الترفيع في سعر الخبزة اواخر 1983. استخضرتها وانا اتابع الأخبار الواردة حول تلف كمية كبيرة من القمح جرفتها مياه الامطار الاخيرة من المخازن التي من المفترض ان تكون اعدتها وزارة الفلاحة لذلك.
كتبت سابقا «أكلتنا النيران يا حكومة اللجان» عند اندلاع الحرائق في حقول القمح والتي أتلفت محاصيل مهمة كنداء استغاثة لحكومتنا الموقرة داعيها إلى تتبع الأمر مع الفلاحين لمواساتهم وتعويضهم عن خسائرهم الفادحة ثم محاسبة الضالعين في تلك الجريمة النكراء.
رأينا الحكومة سابقا تجندت من أجل تعويض المستثمرين في المجال السياحي من أصحاب النزل بعد الاحداث الارهابية التي أثرت على الموسم السياحي وقتها ولكنها تجاهلت الفلاحين في الفيضانات لأن لا بواكي لهم.
تجاوزنا حرق المحصول لنصطدم بمسألة التخزين وما رافقها من اشكاليات نقل الصابة لتخزينها إلى أن أفقنا اليوم على تناقل صفحات التواصل الاجتماعي صورا مفزعة وصادمة لاطنان من القمح تجرفها مياه الأمطار فقط لأن الوزارة لم تحسن عملية التخزين، البعض يقول أن المخازن خصصت للقمح المستورد لتكون «الزيڨوات» هي مصير قمح ابن هذه الأرض، مطمورة روما قمحها يسيل انهارا مع «غسالة النوادر»، الامطار التي تاتي في بدايات الخريف فتكشف العورات وتعري السوءات لوزارة يفترض أن تحمي الفلاح والصابة من «الباندية إلي كانوا صبابة». الشعب التونسي «الضامر» بطبعه حتى في أسوأ فتراته ويضحك زمن المحنة شن حملة تهكم على وزير الفلاحة (القمح المحروق يصلح كبسيسة والمبلول كبرغل) لدفعه للاستقالة لكنه متشبث بكرسيه إلى أبعد الحد ولو احترق القمح والنخيل والزيتون. الفلاح في معاناة دائمة مع بارونات مسالك التوزيع و«الڨشارة»، في حرب استنزاف لقواه ومجهوداته ليبقى الحلقة الاضعف وتتواصل رحلة مديونيته وارتهانه للبنوك وتنعدم الرغبة لديه في مواصلة نشاطه و«يطير الكيف» ويهجر أرضه التي تربطها بها علاقة حب وعشرة، يهجرها رغما عنه وذلك خدمة لمصالح المافيات التي تستورد في المنتجات الفلاحية فهل أن اتلاف أو غرق القمح بعد غسالة النوادر هو الخطوة الاولى لضمان ديمومة الاستيراد خاصة بعد الحديث عن صابة هائلة هذه السنة.
نتكلم كثيرا عن ضرورة دعم الفلاحة والفلاح علنا نصل يوما لتحقيق الاكتفاء الذاتي ونصبح شعبا يأكل مما يزرع وننقص من قيمة الواردات في هذا المجال ربحا للعملة الصعبة في مرحلة أولى ولما لا التوجه للتصدير كخطوة ثانية.
النهوض بالفلاحة من أهم الحلول إن لم يكن أهمها لمشكلة النزوح التي تعاني منها بلادنا وللحد من نسبة البطالة في صفوف الشباب وذلك بتقديم التسهيلات والدعم والاحاطة عند الجوائح والكوارث حتى ترجع علاقة الفلاح بأرضه كما كانت حميمية لذلك ننتظر من فلاحينا أن يقولوا لوزير الفلاحة والحكومة ككل «برتقالنا وطيشتوه»، «حليبنا وبزعتوه»، «قمحنا حرقتوه ونفختوه»… لذلك أخرجوا من قمحنا، من ملحنا، من جرحنا…

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock